دعم "ثقافي"

15 سبتمبر 2016
وسيم الحناوي/ سورية
+ الخط -

بعيداً عن التعميم، ولكن، ثمّة صورةٌ نمطيّة يكاد أي سوري (أو أي شخص قادم من منطقتنا) مُشتغِل بالشأن العام أن يُحشر في إطارها هنا في الغرب.

قبل فترة، تواصلت معي سيدة تعمل في "بيت الثقافات العالمي" ببرلين، حيث أقيم. وطلبت منّي المشاركة في ندوة "ثقافية" حول الشأن السوري، سيحضر فيها وزير الخارجية الألماني، إذ أنّه يريد أن يعرف ماذا يجري في سورية على حد قولها، وأن يلتقى بمثقفين سوريين.

رفضت الدعوة فوراً بالطبع، وقلت لها إنّ وزير الخارجية لا يجب أن يسمعني. هنالك قوى سياسيّة معارضة وواضحة، يستطيع أن يستسفر منها الوزير. كما أنه من غير المنطقي ألا يعرف وزير خارجية دولة مثل ألمانيا، تمتلك أجهزة استخبارات ضخمة، ماذا يجري في سورية بعد خمس سنوات، هو بالتأكيد يعرف ما يجري، وماذا يجب أن يفعل للمساهمة في إيقاف هذه المهزلة الممتدّة منذ خمس سنوات، علماً أنّ العديد من اجتماعات المعارضة تعقد في مدينة ميونخ.

كما أنّه من النادر أن تهتم دور النشر الألمانية والغربيّة الكبرى، بكتب ومنشورات لقادمين من مناطقنا، دون وضعها في سياق خاص، مثل "لاجئون يكتبون" و"أدب الحرب". دائماً يجب أن تترافق الموافقة، مع دمغة خاصّة تبعدها عن سياق الإنتاج الجدّي العام، ليتم الاحتفاء بالكاتب "اللاجئ"، مثل احتفاء الإعلام المحلّي الغربي بـ "لاجئ سوري وجد 100 ألف يورو في خزانة وأعادها لأصحابها"، أو "لاجئ سوري تفوّق في المدرسة وأتقن اللغة الألمانية"، أو "لاجئ سوري مُندمجِ".

عددٌ لا بأس به من المؤسّسات الثقافيّة الألمانيّة الكبرى، تروّج لمصطلحات بدأت تتكرّس مثل "لاجئون كتّاب" أو "مثقفون خارجون من الحرب"، وغيرها الكثير من التنميطات المزعجة التي تتدّعي الحيادية الثقافية، مع عدم ملامسة ماهو سياسي وواضح وخاص ومنحاز ودقيق وفعّال من جهة، وتحييد إنتاج هؤلاء الوافدين الجديد من السياق المحلي الأوروبي المركزي العام من جهة أخرى.

بنفس الطريقة، تم تقديم وتعويم و"دعم" الكثير من المشتغلين بالثقافة والفنون من الفلسطينيين. ولكن ما هي النتيجة الواقعيّة المباشرة في فلسطين المحتلة؟ المزيد من الدعم الدولي لـ"إسرائيل" واستمرارها في سياساتها الاستئصالية العنصرية والتوسعيّة الكولونيالية.

الاهتمام "الثقافي" بأناس خارجين من أزمات سياسيّة دون فعل سياسي واضح، والدعم "الثقافي" المنزوع من أية طاقة سياسية، هو أمر لا داعي له، ولن يغيّر شيئاً. مسرحة الألم السوري في أمسيات "ثقافية" أصبحت أمراً لا يطاق.

من لا يعرف ما يجري في سورية منذ خمس سنوات لن يعرف بعد اليوم. من موقعي الشخصي، أفضل الصمت وعدم المشاركة في كل فعالية تتصل بهذه السياسات، وذلك للحفاظ على ما تبقى من الكرامة.

المساهمون