دروس مادة الوطنية

20 ابريل 2015
+ الخط -
في ظل الأنظمة القمعية الديكتاتورية، أنظمة تكميم الأفواه ووأد الديمقراطية وقطع كل صلة بالنقد، أيّاً كان نوعه، سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، عليك أن تبتعد عنه، وتنأى بنفسك عما يدخلك في المساءلة، أو الزج بك في غياهب المجهول، وأصعب ما يكون نقد الرئيس، أو تناول الذات العظيمة المجيدة الكبيرة المتمتعة بالحصانة التامة ضد كل رصاصات النقد، وعليك، في هذه الحالة، إن كنت صاحب شهية لنقد الرئيس، أو تناول أي مادة عن حزب الرئيس، أو جماعته، أن تأتي معنا، لتنظر في مقرر دروس مادة الوطنية.
في البدء اعلم، أن الوطنية هي الحالة المتماسكة، وهي الشعور النبيل الذي يتمتع به الرئيس، أو الذات العظيمة، وجماعتهم وحزبهم، وكل من يمت إليهم بصلة القرابة أو النسب. أما أنت، أيها المواطن، والذي تثبت وطنيتك بما لديك من أوراق الميلاد أو الجنسية، فأنت مواطن ولستَ وطنياً، فالوطني هو الرئيس وحزبه، وجماعة الاقتصاد الداعمة له، وجماعة أصحاب الطبل وجماعة أصحاب تلميع الأحذية.

إذن، أول الدروس في المقرر الوطني: أن لا تتناول الرئيس بأي نقد أو أي توجيه، وقد وعيت الدرس الأول في مقرر مادة الوطنية. تعال معنا لننتقل إلى الدرس الثاني، وهو درس الأمن القومي. وما أدراك ما الأمن القومي. فأنت مواطن عادي، والذين هم حماة الوطن أو القومي هم رجال الدولة. دولتك العظيمة هي المدافعة عن شرف الأمة وحامية الحدود من تغول الأعداء، وكل المتربصين بأمن بلدك، فعليك أن تعرف حجمك، وتدرك حجم الأعباء الملقاة على السيد الرئيس العظيم، حامي الدستور وحامي الأمن القومي. فأنت، حين تكتب عن بلدك من منطلق النقد، إنما تقف بذلك إلى جانب صفوف المتربصين بأمن البلاد، والذين يحاولون سرقتها والزج بها في جانب البلاد المتأخرة. فعليك الانتباه لأسرار الأمن القومي ومعانيه، والذي يمثله رئيسك، ليل نهار، ويعمل على راحتك ويحميك من الأعداء والمتربصين. وعلى كل ناقد أن ينتبه إلى كلمات دولته الرنانة والطنانة، فأي عبث أو تلاعب بهذه المصطلحات يعرضك إلى الخطر. ممنوع الاقتراب والتصوير.

والدرس الثالث في مقرر مادة الوطنية هو التحدث عن الثوابت الوطنية. عليك، حين تسمع هذا المصطلح، أن تتعلم أنها ثوابت قوية، ترسخت وتجذرت، منذ عقود، ولا أحد يستطيع أن يغيرها أو ينال منها. فمن أهم الثوابت، والتي تم حفر أساسياتها بعمق في أرض الواقع السياسي مدة بقاء الرئيس، إلى درجة أن الجمهورية من العادي وغير المثير للقلق أن تورث القيادة فيها لابن الرئيس، فهذه من الثوابت الجديدة في الأنظمة العربية. 

ومن الدروس المهمة في مقرر مادة الوطنية درس حرية الرأي والتعبير، فهي كما يقول الدستور، وتقول الفطرة السليمة، أنك حر ولا حجر عليك من أحد. لكن، بشروط بلدك وقيادتك الحرة النزيهة وقيادة القائد الملهم البطل المغوار حامي الحريات. وبهذا، يمكنك أن تتكلم عن انعدام البصل واختفاء البطيخ كما يحلو لك، وتوجه النقد العام للتّجار. لكن، عليك أن تنتبه، وأنت بصدد ممارسة حريتك أن لا تتناول أحد رموز النظام الأغنياء النافذين في تجارة البصل والبطيخ. إن فعلت ذلك لا تلومن إلا نفسك "وعلى نفسها جنت براقش". واعلم أننا، أمة القرن الواحد والعشرين، لا نأبه بالسياسة العمرية "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" وعليك أن تفرق دائماً بين الكلام عن الحرية وحرية التعبير والكلام عن الرأي والرأي الآخر، وبين الفعل والتنفيذ، وأن تفرق بين الحديث عن الديمقراطية وتطبيقها.
ونواصل في طرح دروس مادة الوطنية، فنجد درس الانتخابات، وما أدراك ما الانتخابات. سواء كانت انتخاب الرئيس، أو انتخاب المجالس النيابية، أو البرلمانية، أو مجلس الشعب، أو المجلس الوطني، سمِّها ما شئت، هي جميعها مغلفة بالتزوير والبلطجة، واعلم أن النسب في انتخاب القائد الملهم هي مائة في المائة، فجميع الناس في الوطن يحبون الرئيس، ويقدسونه ويقدرونه، ويعرفون قيمة أن يكون هو هو لا أن يكون أحد غيره.
avata
avata
أسماء عبد اللطيف (السودان)
أسماء عبد اللطيف (السودان)