وكانت قوات النظام وأجهزته الأمنية سيطرت على محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سورية، إثر اتفاق المصالحة الذي أبرم بين روسيا والمعارضة السورية في يوليو/ تموز 2018. هذا الاتفاق طُرحت حوله علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أن قياديين في "الجيش السوري الحر" مرتبطين بالجانب الإماراتي كانوا وراءه، في وقت كانت فيه فصائل المعارضة السورية على جبهة الصمود أمام قوات النظام. وتبين لاحقاً أن الاتفاق كان مدخلاً واسعاً للفتك بأهالي درعا، عقاباً على خروجهم ضد النظام منذ 2011، وخصوصاً أن الجانب الروسي لم يلتزم بوعوده كضامن للاتفاقات، ليس في درعا فحسب، بل في كل المناطق السورية التي كانت تحت سيطرة المعارضة واضطرت لإبرام اتفاقات مصالحة بسبب القصف الجوي الروسي.
تظاهرات ومقاومة مسلحة
وبحسب مصادر محلية، فقد نظّم أهالي حي "درعا البلد" في مدينة درعا، يوم الجمعة الماضي، وقفة احتجاجية، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين من سجون نظام الأسد، ورفع القبضة الأمنية عن رقاب أهالي المحافظة، مطالبين كذلك بإخراج المليشيات الإيرانية من الجنوب السوري. وفي بلدة سحم الجولان بريف درعا الغربي، خرجت تظاهرة أخرى للمطالبة بطرد المليشيات الإيرانية من المحافظة، والإفراج عن المعتقلين من سجون نظام الأسد، وفق المصادر ذاتها.
إلى ذلك، عادت الكتابات المناوئة للنظام في بلدة الكرك بريف درعا الشرقي، وكذلك في بلدة الغارية الغربية، مطالبة بإسقاط النظام، ورفض التغلغل الإيراني جنوبي سورية، بالإضافة إلى رفض الخدمة الإلزامية في صفوف جيش النظام. وركزت الكتابات في أرياف درعا على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، خصوصاً ممن تمّ اعتقالهم بعد اتفاق التسوية جنوب سورية صيف عام 2018، بالإضافة إلى وقف حملات الاعتقال التي تشنها قوات النظام بشكل شبه يومي بحق المعارضين.
ولم يتوقف الغليان الشعبي عند حدود التظاهر في مدن وبلدات محافظة درعا، إذ واصلت "المقاومة الشعبية" ضرب أهداف عسكرية وأمنية للنظام، واغتيال شخصيات مرتبطة به. ووفق "تجمع أحرار حوران"، أصيب عنصران من قوات الأسد بجراح مساء الجمعة الماضي، نتيجة استهداف حاجز للاستخبارات الجوية شرقي بلدة السهوة بريف درعا بقذيفة صاروخية. وقُتل ضابط للنظام برتبة نقيب، بعد إصابته بطلقٍ ناري مجهول استهدف حاجز الاستخبارات العسكرية المتمركز بين منطقة غرز وبلدة أم المياذن بريف درعا. كما قتل ثلاثة عناصر من قوات الأسد على حاجز الأمن العسكري الواقع بين منطقة غرز وبلدة أم المياذن بريف درعا الشرقي، إثر استهدافهم برصاص مجهولين. وفي مدينة الحارة شمال غرب درعا، أقدم مجهولون الجمعة على إطلاق النار من بنادق آلية على مفرزة الأمن العسكري، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين المهاجمين وقوات النظام لم تسفر عن تسجيل إصابات.
وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن مسلحين مجهولين استهدفوا الجمعة منزلين لعناصر في صفوف شعبة الاستخبارات العسكرية في مدينة الصنمين بقذائف "أر بي جي". وأشار المرصد الى ارتفاع أعداد الهجمات ومحاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة، عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار خلال الفترة الممتدة من يونيو/حزيران الماضي حتى منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إلى أكثر من 169 محاولة. كما لفت الى أن عدد قتلى النظام والمتعاونين معه خلال الفترة ذاتها، بلغ 62 شخصاً، من بينهم عناصر من فصائل المعارضة السورية أجروا تسويات ومصالحات، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية. يضاف إلى هؤلاء، عناصر من المليشيات السورية التابعة لـ"حزب الله" اللبناني والقوات الإيرانية في المنطقة، وكذلك عناصر مما يُعرف بـ"الفيلق الخامس" الذي أنشأته روسيا. ووثّق "المرصد" مقتل مدني من أبناء قرية دير البخت بريف درعا تحت التعذيب، بعد اعتقال دام نحو عام في سجون النظام.
أسباب الغليان
وفي حديث مع "العربي الجديد"، توقع الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، أن يتصاعد الحراك في درعا ضد النظام في الفترة المقبلة، مشيراً الى أن الأسباب المباشرة التي تقف وراءه هي "القبضة الأمنية والاعتقالات والاغتيالات من قبل قوات النظام بحق المعارضين له في المحافظة". وذكّر المسالمة بأن معتقلين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام، ما يولّد حالة غليان كبيرة في عموم المحافظة، مضيفاً أن إيران و"حزب الله" اللبناني يتوسعان في جنوب سورية، ما يدفع كذلك الى انتفاض أهالي درعا. وفي هذا الإطار، قال إن "إيران تتوسع بشكل مستمر وسريع عبر التشييع في صفوف أهالي الجنوب السوري، من خلال استغلال الوضع الاقتصادي المزري للأهالي"، مضيفاً أن "الحرس الثوري الإيراني" يقيم دورات تدريبية للعناصر المتشيعة في العديد من المعسكرات التابعة لقوات النظام. وحول مواقع هذه المعسكرات، قال إنها تنتشر في منطقة اللجاة، وفي مقرات الفرقة الخامسة التابعة لقوات النظام في منطقة أزرع في ريف درعا، إضافة الى تل الحارة شمال غرب درعا، ومنطقة المثلث الذي يربط بين محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق، وفي منطقة تل الثعالب شمال غباغب بريف درعا الشمالي ومقرات الفرقة التاسعة بالصنمين، إضافة الى منطقة تل الجموع في ريف درعا الغربي، وفي داخل مدينة درعا، وقرب معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
وحول قدرة المقاومة الشعبية في الجنوب السوري على مهاجمة أهداف تابعة للنظام والإيرانيين، لفت المسالمة إلى أن السلاح الخفيف الذي بقي في أيدي الكثير من مقاتلي المعارضة، يعد مصدر قلق دائم لقوات النظام والمليشيات الإيرانية، مضيفاً أن "انكشاف العملاء والخونة والسلاح الخفيف، يسهّل الطريق أمام مهاجمة قوات النظام". وحول أعداد المدنيين العائدين إلى محافظة درعا من الأردن منذ توقيع الاتفاق مع النظام، أشار إلى أن الجانب الأردني يؤكد عودة نحو 35 ألفاً فقط.
وكانت المقاومة الشعبية في محافظة درعا أعلنت عن نفسها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، موضحةً أنّها تعمل لـ"ردع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها، في ظل استمرارها بالاعتقالات والانتهاكات بحق مناطق الجنوب السوري"، وفق بيان. وبدأت بعد ذلك بتنفيذ عمليات اغتيال شخصيات مرتبطة بالنظام أو كان لها دور في التوصل لاتفاقات المصالحة مع النظام الذي أغلق باب أي حوار مع أهالي محافظة درعا الذين طالبوا بالإفراج عن المعتقلين في سجونه، ولكن دون جدوى.
ووفق مصادر محلية، تضم المقاومة الشعبية العديد من مقاتلي "الجيش السوري الحر" الذين رفضوا المصالحة مع النظام، مشيرة إلى أنها تعتمد أسلوب مباغتة قوات النظام وأجهزته الأمنية بين فترة وأخرى، إضافة إلى اغتيال الشخصيات المرتبطة معه. ونفذت هذه المقاومة في درعا منذ الإعلان عنها، العشرات من العمليات التي قُتل جراءها عدد كبير من ضباط النظام وعناصره. ووفق المصادر، فإن "كل من وضع يده بيد نظام الأسد والمليشيات الإيرانية، هو هدف"، مشيرة إلى أن المقاومة الشعبية تقف وراء اغتيال قائد ومؤسس مليشيا اللجان الشعبية التابعة للنظام في مدينة جاسم بريف درعا الغربي، منتصف الشهر الماضي، لافتة الى أن القتيل هو شقيق رئيس وزراء النظام السابق وائل الحلقي، و"كان من أشد مؤيدي النظام في محافظة درعا".