درس عبدالله العروي

29 ديسمبر 2014

عبد الله العروي .. المفكر المضيء

+ الخط -

كلما خرج المفكر المغربي، عبدالله العروي، في لقاء مفتوح ومباشر مع النخب وعموم الجمهور، إلا وأثار إشكاليات كثيرة، وفجر القضايا الصعبة في الفكر والسياسة.

ولعل محاضرته، أخيراً، في المكتبة الوطنية في الرباط، كان لها وقع الأثر العنيف، الفهم وملازمه سوء الفهم، على سامعيه، وهذا حقيقة ما يخشاه مفكر من عيار العروي، فهو يحب أن يتوارى، ويترك كتبه تتحدث عنه، ثم إنه ليس صاحب برنامج سياسي، يريد التغيير أو الوصول إلى السلطة، بل إن مهنته مفكراً تحتم عليه طرح القضايا والإشكالات، والمساهمة في الإضاءة عليها، وتحريض الفاعل السياسي والممارس للسلطة والنخب المدنية على الانتباه إلى التفاصيل، فهناك ينام الشيطان.

خلفت تلك الندوة التي كان موضوعها "المواطنة والمساهمة والمجاورة" ردود أفعال متباينة، وخرج أغلب الحاضرين مثلما دخلوا، وزاد الأمر استشكالاً حينما تحدث، عطفاً، عن حفل الولاء، في سياق حديث أشمل عن مفهوم المواطنة.

فماذا قال العروي، حتى أحدث حوله تلك الضجة التي حاولت أن تقدمه معادياً حفل الولاء، الذي يجدد فيه مسيرو الشأن العام في المغرب البيعة لملك البلاد كل سنة، في مناسبة عيد العرش، أو الجلوس؟

قال العروي بالحرف: يشاهد بعضنا، على الشاشة، نقل حفل الولاء. فيقول: هؤلاء المبايعون موالون، وليسوا مواطنين. هذا الشعور هو الذي يجب أن ننطلق منه، بحثاً عن ظروف نشأته. هل هو طبيعي؟ نعم، من دون أدنى شك. توجد جماعات كثيرة تجربه يومياً. كل عضو في هذه الجماعات يشعر بأنه آفاقي، خارج السرب، أنه مساكن، مجاور، غير مشارك، غير مساهم، لا يتمتع بحقوق، يتمتع بها غيره الذي يحتل مكانة أعلى من مكانته. يجد أن وضعه ناقص، محتاج إلى تزكية، حتى يتخيل واقعاً مناقضاً للواقع الذي يعيشه. يحاول أن يكيف، فيعثر على كلمة "مواطنة"، بمعناها المستحدث. يتيقن أنها حق لكل إنسان بما هو إنسان. لو لم يجد هذه الكلمة جاهزة، لاستعار لفظة أجنبية، كما استعار من قبل لفظتي "ديمقراطية" و"برلمان".

هذا ما قاله العروي، عبوراً، ولم يتوقف عنده. لكن، لماذا تلك الضجة؟ لعل الأمر يعود، بشكل ما، إلى أن قيمة المواطنة، هي نفسها، قيمة مفقودة في عالم عربي، والكفاح من أجلها هو الذي حرّك الشوارع، وجعل الجمهور الواسع يخرج من أجل المطالبة بها. وحين توهم أنه استكمل شرطه الإنساني، أضاع ما اعتقد أنه امتلكه بين أحابيل السياسيين وتسوياتهم ومقامراتهم.

يوضح العروي أنه، حتى في إطار احترام الحقوق السياسية، هناك إشكالات جديدة، تنبعث، قد لا تتساوق مع مقتضيات القوانين الدولية، وحسب كل بلد، ويشرح الأمر على الشكل التالي "إذن، هذه الحقوق الاجتماعية التي أضيفت إلى الحقوق السياسية، في فترة لاحقة، كانت بمثابة إعلان للجميع للمشاركة واحترام ضمني أن لا المساهمة في الحياة السياسية، من دون شعور بالمصلحة الشخصية. هذه المسألة مطروحة، اليوم، بإلحاح بسبب العزوف عن السياسة؛ أي تحول المواطن من نشيط إلى سلبي، وتكاثر اللاجئين الأجانب، الذي يربطون تلقائيا الحقوق الاجتماعية الممنوحة لهم، تحت تأثير قانون دولي غير مقبول مجتمعياً في عدة بلدان ديمقراطية بحقوق المواطنة في إطار سيادة وطنية".

إنه المفكر، حين يضيء الطريق للسياسيين، وللعاملين في الحقل الاجتماعي، ولماسك السلطة، فغداً تصبح قضايا اليوم جزءاً من الماضي، حينما تتحول الدول نفسها إلى "أسهم" في الشركة الأم، والتي قد تكون قارة أو حلفاً أو "اتحاداً" أو غير ذلك.

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..