أظهرت دراسة دوليّة لقياس قدرات الطلبة في مادتي الرياضيات والعلوم، نتائج صادمة في بداية عام 2017، تشير إلى المستوى المتدني الذي وصل إليه الطلبة العرب، في هذين المبحثين المهمّين، حيث تذيّلت الدول العربية التي شاركت في الدراسة القائمة، ولم تكن نتائجها تعكس ما تروّج له المؤسسة الرسمية، من فاعليّة وجدوى ونوعية برامج الإصلاح التربوي التي تبنّتها تلك الدول، لتحسين السياقات والمدخلات والعمليات لتجويد المخرجات.
وفي المقابل المشرق، حصلت سنغافورة على أعلى المراتب، إضافة إلى تايوان الصينية، ومنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، واليابان، وكوريا.
دراسة التوجّهات الدولية في الرياضيات والعلوم، التي تسمّى "تيمس"، تجريها الرابطة الدولية لتقييم التحصيل التعليمي IEA ومقرّها هولندا، كل أربع سنوات بمشاركة دولية واسعة، على عيّنات ممثلّة من طلبة الصفين الرابع والثامن الأساسيين، أو في صف واحد منهما، لقياس ومعرفة مستوى جودة التعليم، كما تشارك بعض الدول بطلبة من الصف الثاني عشر، أو ما يعادلها من فئات عمرية وفق النظام التعليمي المعمول به في كل دولة.
سنغافورة ملكة التفكير والإبداع
في دراسة الرياضيات للصف الرابع، جاءت سنغافورة في الترتيب الأول، وحصلت على متوسط 618، في حين حصلت الأردن والسعودية والمغرب وجنوب أفريقيا والكويت على المراتب الأخيرة.
وفي دراسة الرياضيات للصف الثامن جاءت سنغافورة في الترتيب الأول أيضاً، وحصلت على
متوسط 621، في حين حصلت عُمان والكويت ومصر وبوتسوانا والأردن والمغرب وجنوب أفريقيا والسعودية على المراتب الأخيرة.
وفي ما يتعلّق بدراسة العلوم للصف الرابع، ظلّـت سنغافورة في الترتيب الأول، وحصلت على متوسط 597، في حين حصلت قطر وعُمان وإيران وإندونيسيا والسعودية والمغرب والكويت على المراتب الأخيرة.
وفي دراسة العلوم للصف الثامن، حافظت سنغافورة على الترتيب الأول، وحصلت على متوسط 590، في حين حصلت الأردن والكويت ولبنان والسعودية والمغرب وبتسوانا ومصر وجنوب أفريقيا على المراتب الأخيرة.
مارغريت كلارك، الخبيرة في البنك الدولي، نشرت مقالاً حول النتائج أشارت فيه إلى أن المناهج الدراسية والمعلمين، يشكّلون عنصراً أساسياً في تحقيق النتائج الجيّدة. وأنّه وفقاً لمديري الدراسة، فإن البلدان صاحبة أعلى أداء، تولي اهتماماً كبيراً للمناهج الدراسية، والمعلّمين، والوسائل التعليمية، ودعم أولياء الأمور. وفي الوقت نفسه، ترى عدم وجود علاقة بين نتائج الطلبة والمؤهلات الرسميّة للمعلمين.
العرب ومستقبلهم القاتم
ويشير د. محمد مطر مدير دائرة القياس والتقويم في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، أن فلسطين لم تشارك في هذه الدراسة الأخيرة "لظروف خاصة"، إلا أنّه كان لها مشاركة جيّدة في 2003، ومشاركة فاشلة في 2007، ثمّ مشاركة ثالثة ناجحة في 2011. ويرى مطر أن النتائج الحالية جديرة بالدراسة في سياقها العالمي والعربي، وحتى التربوي البحثي.
ومن قراءته لهذه النتائج يقول مطر: يبدو أن تلك الأنظمة التربوية ما زالت تتبنّى فلسفة
"هندسة المخرجات" بدل "الهندسة للمخرجات"؛ فهي تحاول تجميل صورة المخرجات بأيّة حيلة ووسيلة، دون أيّة جهود للتركيز على المدخلات والعمليات، بما يضمن تجويد المخرجات تجويداً حقيقياً.
ووفق هذه النتائج، يؤمن مطر أن المستقبل المشرق ينتظر طلبة سنغافورة ومؤسساتها التعليمية، فيما ينتظر الطلبة العرب، والمدرسة العربية كذلك، مستقبل قاتم لا يبشّر بخير، في موضوعين في غاية الأهمية، هما الرياضيات والعلوم، باعتبارهما عصب البحث والابتكار، والإبداع والريادة.
وحسب مروان زهد، الخبير في مجال الإحصاء والدراسات التربوية، فإن دراسة "تيمس" تتميز عن غيرها من دراسات تقويم التحصيل، بأنها تمنح الدول المشاركة الفرصة لقياس تحصيل طلبتها في مادتي الرياضيات والعلوم باستخدام أدوات قياس مقنّنة عالمياً، وتوفّر لها إمكانية مقارنة مستويات تحصيل طلبتها بمستوى التحصيل العالمي، وبمستويات تحصيل طلبة الدول الأخرى المشاركة في الدراسة، وتوفّر لها كذلك برمجيّات إحصائيّة حديثة، تساعد في تحليل نتائج الدراسة، وتوفّر مؤشّرات نوعيّة يمكن استخدامها في رسم السياسات التربوية، وتحسين عمليتي التعليم والتعلّم في الرياضيات والعلوم، وتوفّر لها قواعد بيانات سياقيّة عن المناهج والطلبة والمعلمين ومديري المدارس، بحيث يمكن استخدامها في تطوير الأنظمة التربوية، وتوجيه تدريب المعلمين وتطوير المناهج الوطنية، وفي البحث عن تفسير للتباين في مستويات التحصيل.