ذكرت دراسة إسرائيلية، صدرت أمس الأحد، أن التحالف بين إسرائيل واليونان وقبرص قد أفضى إلى تشكل كتلة جيوسياسية جديدة في شرق المتوسط، تسهم في مواجهة تركيا واحتواء تأثيرها الإقليمي، وتحسن من قدرة الأطراف الثلاثة على تحقيق مصالحها المختلفة. واعتبرت الدراسة، الصادرة عن "مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابع لجامعة "بار إيلان"، ثاني أكبر الجامعات الإسرائيلية، أن المنظمات التي تمثل اليهود والأميركيين من أصول يونانية في الولايات المتحدة تسهم في تعزيز هذا التحالف، وتبادر إلى توظيف ثقلها السياسي في دوائر صنع القرار في واشنطن، لإسناد هذا التحالف وتوفير مظلة دولية له والاستجابة لمطالب الدول الثلاث.
وحسب الدراسة، التي أعدها الباحث جورج تسوغبلوس، ونشرها المركز على موقعه أمس، فإن كلاً من إسرائيل وقبرص واليونان اكتشفت أنماط شراكات جديدة، تمتد من التعاون في مجال الطاقة، والاتصالات، والتقنيات المتقدمة، والأمن، ومواجهة التلوث البحري، وانتهاء بالتعاون في مجال الإخراج السينمائي. واعتبرت أن القمة الرابعة، التي عقدت في الثامن من مارس/آذار الماضي في نيقوسيا، وجمعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، والرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسياديس، عكست التصميم الذي تبديه القيادات السياسية في هذه الدول لدفع هذا التحالف قدماً، مشيرة إلى أن الزعماء الثلاثة وافقوا، بناء على طلب نتنياهو، على أن يتم عقد القمة الخامسة بينهم في مدينة بئر السبع المحتلة، التي يصفها رئيس الحكومة الإسرائيلي بأنها "مدينة السايبر"، بسبب احتضانها معظم المؤسسات والمصانع التي تقوم على توظيف الفضاء الإلكتروني والتقنيات المتقدمة.
وحسب الدراسة، فإن القمة الخامسة ستعنى ببحث سبل التعاون بين تل أبيب ونيقوسيا وأثينا في مجال التقنيات المتقدمة والاتصالات. وأوضحت أن الأمن يعد أهم مجالات التعاون بين الدول الثلاث، مشيرة إلى أن سلاح الجو اليوناني بات يشارك بشكل دوري في المناورات التي ينظمها سلاح الجو الإسرائيلي، لافتة إلى أن طائرات حربية يونانية شاركت في العرض العسكري الذي نظمته إسرائيل بمرور 70 سنة على احتلال فلسطين وقيامها. ولفتت إلى أن القيادات العسكرية في تل أبيب وأثينا شرعت في إجراء مباحثات حول مخططات مشتركة لمواجهة مخاطر أمنية تهددهما، مشيرة إلى أن هذا التحرك بدأ أثناء الزيارة التي قام بها، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، رئيس هيئة أركان الجيش اليوناني، ألكيفاديس ستيفانيس، إلى تل أبيب، بناء على دعوة من قائد قوات المشاة في الجيش الإسرائيلي، يعكوف براك. وأضافت أن النقاش بين الجانبين حول أنماط هذا التعاون تم خلال الزيارة التي قام بها براك إلى أثينا، في يناير/كانون الثاني الماضي، مشيرة إلى أن ممثلين عن هيئات أركان جيوش إسرائيل وقبرص واليونان قد التقوا في التاسع من مايو/أيار الماضي في تل أبيب مجدداً لمناقشة سبل التعاون في مواجهة التحديات المشتركة.
وأشارت الدراسة إلى أن ما قد يؤثر سلباً على التحالف، هو الخلاف بين قبرص وإسرائيل بشأن الأحقية على حقل الغاز "أفروديت"، محذرة من أن عدم التوصل لتوافق بين الجانبين يمكن أن يقود إلى توجه لتحكيم دولي. واعتبرت أن إسرائيل معنية بتكثيف الاتصالات مع قبرص لضمان تجاوز سيناريو التحكيم الدولي. وتستدرك أنه نظراً لأن الحديث يدور عن حقل ضخم يحتوي على احتياطات هائلة من الغاز، فإن وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، أوضح بشكل لا يقبل التأويل أن أواصر الصداقة مع قبرص لن تؤثر على تصميم إسرائيل وإصرارها على حقوقها على "مواردها الطبيعية". لكن الخلاف الجدي حول الحقل لم يمنع قبرص وإسرائيل واليونان من الاتفاق على تدشين مشروع أنبوب الغاز الضخم، الذي يفترض أن ينقل الغاز الذي تستخرجه إسرائيل إلى أوروبا، بحيث يمر بالمياه اليونانية. وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من إدراك إسرائيل أن كلفة نقل غازها إلى أوروبا عبر تركيا أقل بكثير من النقل عبر الأنبوب الذي يمر بالمياه اليونانية، إلا أن حالة انعدام اليقين إزاء مواقف القيادة التركية جعل تل أبيب لا تتردد في اختيار الخيار الثاني. وأوضحت أن التعاون بين الدول الثلاث يهدف إلى تقليص هامش المناورة المتاح لتركيا في المنطقة، موضحة أن تل أبيب وأثينا ونيقوسيا تدرك أن التعاون بينها يتسبب في قلق عميق لدى الرئيس التركي، طيب رجب أردوغان. وأشارت الدراسة إلى أن المنظمات اليهودية الأميركية والمنظمات التي تمثل الأميركيين من أصول يونانية تنسق في ما بينها للضغط على الإدارة الأميركية لإجبارها على عدم السماح بتزويد تركيا بطائرات "إف 35" المتطورة، إلى جانب أنها تمارس ضغوطاً لرفع الحظر على بيع السلاح لقبرص. وتستدرك الدراسة أن تعاظم ما وصفته بـ "مظاهر اللاسامية" داخل اليونان يمكن أن يعيق مستقبلاً تشكل حاضنة اجتماعية للتعاون بين إسرائيل واليونان، مشددة على الحاجة إلى "اجتثاث هذه الظاهرة من الجذور".