سلّط "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي الأضواء على مسوغات القلق الإسرائيلي من أية تحولات داخلية يمكن أن تفضي إلى إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي في العالم العربي.
وحسب دراسة نشرت في مجلة "عدكون استراتيجي"، الصادرة عن المركز، فإن "إنجاز التحول الديمقراطي في مصر، على سبيل المثال، يعني بلورة بيئة سياسية واجتماعية ستفضي إلى إسدال الستار على السلام مع إسرائيل في أحسن الأحوال، أو حتى التأسيس لواقع يمكن أن يقود لاندلاع حرب بين الجانبين، وذلك بسبب الرفض الجماهيري للسلام مع تل أبيب".
وحسب الدراسة التي نشرها المركز على موقعه، اليوم الأربعاء، بمناسبة مرور 40 عاماً على التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد"، جزم فيها عوفر فنتور، الباحث في المركز، ومؤمن سلام، رئيس تحرير مجلة "مصر المدنية، واللذان أعداها، بأن نخب الحكم ورجال الأعمال المتنفذين في مصر، استغلوا التوقيع على "كامب ديفيد" في مراكمة ثروات طائلة من خلال احتكار الفرص الاقتصادية التي أتاحتها "كامب ديفيد"، على شكل التوصل لصفقات "فاسدة"، مثل التوقيع على صفقة شراء الغاز، وجني عوائد كبيرة من تطبيق اتفاقية "كويز"، التي تتضمن تعاوناً في مجال التجارة البحرية وصناعة النسيج.
وتصل الدراسة إلى حد الاستنتاج بأن نخب الحكم في مصر قاومت التطبيع في بعض الأحيان، خشية أن يسمح لقوى غير مرتبطة بهذه النخب بمنافستها على المكاسب التي تجنيها نتيجة احتكارها للاستفادة من الاتفاقات والصفقات الاقتصادية مع إسرائيل.
وأشارت إلى أن "السلام البارد" تحول مع مرور الوقت إلى "سلام فاسد"، مبينةً أن هذا الواقع فاقم غضب المصريين من تبعات العلاقة مع إسرائيل، لعدم انعكاس السلام إيجابا على حياة المصريين.
وعلى الرغم من أن الدراسة تتبنى مصطلح "السلام البارد" لوصف واقع "السلام" بين إسرائيل ومصر، إلا أنها في الوقت ذاته تشير إلى تقديرات إسرائيلية أخرى ترى أن العلاقة بين تل أبيب والقاهرة انتقلت في العقد الثاني لحكم حسني مبارك من "السلام البارد" إلى "السلام الاستراتيجي".
وتشير الدراسة إلى نتائج بحث آخر أعده الباحثان الإسرائيليان أمنون إيران ورامي جينات، اللذان خلصا إلى أن مبارك بادر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي إلى السماح بتعميق وتوسيع الثقة بين المستويات السياسية والمؤسسات الأمنية في كل من مصر وإسرائيل، بشكل نقل العلاقة بين الجانبين إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية.
كذلك، رصدت أسباب أخرى لإحجام المجتمع المصري عن التطبيع مع إسرائيل، على رأسها مظاهر التضامن العميق تجاه الشعب الفلسطيني ومعاناته تحت الاحتلال، مشيرة إلى أن المصريين لم يكونوا ليغيروا توجهاتهم إزاء إسرائيل، في الوقت الذي لا تتردد فيه تل أبيب في قتل الأطفال والنساء ومصادرة الأراضي.
وأشارت الدراسة إلى أن إسرائيل أحرجت بعيد التوقيع على "كامب ديفيد" نخب الحكم في مصر من خلال الإقدام على الإعلان عن ضم القدس الشرقية وهضبة الجولان وشن حرب لبنان الأولى في صيف 1982.
وأوضح معدا الدراسة أن التحولات التي طرأت على نظام الحكم في إسرائيل وزيادة تأثير التيار الديني الصهيوني، وما تبعه من تبني إسرائيل خطاباً قومياً يستند إلى مسوغات دينية أحرجت القوى الليبرالية المصرية التي تجاهر بحماستها للتطبيع مع إسرائيل.
وأضاف الباحثان "لقد كان محرجا للقوى الليبرالية المصرية أن تتحمس للعلاقة والتطبيع مع كيان يتبنى خطاباً قومياً دينياً، في الوقت الذي ترفض فيه هذه القوى فكرة الدولة الدينية في مصر".
وفي ما يتعلق بطابع تعاطي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي مع إسرائيل، فقد بينت الدراسة أن هذا النظام لم يحرص فقط على تطوير التعاون الأمني مع إسرائيل "بشكل حميمي"، بل إنه من ناحية عملية "تجاوز في مظاهر تطبيعه العلاقة مع تل أبيب حدود المتعارف عليه في العلاقات بين الحكومات".
في المقابل، حملت الدراسة تناقضاً بنيوياً عندما خلصت إلى التوصيات التي تضمن تحسين العلاقة بين مصر وإسرائيل، فعلى الرغم من إقرارها بأنه في حال اجتازت مصر تحولا ديمقراطيا يضمن أن تتبنى نخب الحكم توجهات الرأي العام المصري، فإن السلام مع تل أبيب سيلفظ أنفاسه، أشارت إلى أنه في حال تم الدفع نحو تحسين التعاون الاقتصادي، فإن مثل هذا التطور يحمل في طياته فرصاً لإقناع الجمهور المصري بتغيير مواقفه تجاه إسرائيل.
ومن المفارقة أن الدراسة لا تقترح أن تحدث حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب أي تغيير على مواقفها السياسية والأيديولوجية تجاه الصراع، من أجل إقناع المصريين بتغيير مواقفهم إزاء "السلام" مع إسرائيل.