داود أوغلو .. القائد "رقم اثنين"

30 اغسطس 2014

أردوغان وداود أوغلو في افتتاح مؤتمر "العدالة والتنمية" (أغسطس/2014/الأناضول)

+ الخط -

هادئة تركيا. تمرّر عملية نقل السلطة من وإلى، بهدوء صاخبٍ، لا يعكّره أي ضجيج سياسي. الهدوء التركي مطلوب هذه الفترة، بالنسبة إلى الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان وفريقه. الجيران في مشكلات لا تُعدّ ولا تُحصى، والعيون موجّهة إليهم. العراق وسورية وحتى لبنان في عين الإعصار. الأميركيون عائدون، وهم الذين لم يرحلوا أساساً، فملائكتهم عاشوا في أفياء شرقنا. غزة تلملم جراحها. مصر في وضع لا تحسد عليه. ليبيا على شفير حرب أهلية. شبح فشل رؤساء الحكومات السابقة بدأ يخيّم على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. روسيا تتوّرط أكثر فأكثر في المستنقع الأوكراني. وحدهما أردوغان ورئيس وزرائه، أحمد داود أوغلو، بعيدان عن مثل تلك الأزمات.
لم يكن "القدر" الذي جمعهما في مايو/أيار 2009 سوى بداية ثنائية تتماهى بين ذكاء داود أوغلو الأكاديمي والجيوسياسي، وقوة أردوغان وشعبيته الطاغية في الوسط الإسلامي. وفي محصّلة لـخمس سنوات طويلة، يُمكن الإقرار أن الثنائي نجح حيث فشل كثيرون. تمكنا، تحت عينيّ الرئيس السابق عبد الله غول من التغلغل في مختلف الأوساط التركية.
لم يكن تصرّف أردوغان في مرحلة ما بعد العام 2009، مشابهاً لما قبله. فقد احتوى ابن إسطنبول حزب العمال الكردستاني، إلى درجة كسبِه أصواتاً كردية عالية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 10 أغسطس/آب الجاري. تمكن من اختراق صفوف الجيش والشرطة، ونجح في تطهير أعلى المناصب العسكرية، مرات باسم "محاربة الفساد"، ومرات باسم "مواجهة عبد الفتاح غولن"، الحليف السابق. وفّق أردوغان بين علمانية تركيا ـ مصطفى كمال أتاتورك وروحية حزب العدالة والتنمية، وخلفيته الدينية والاجتماعية. كما تحسّن الوضع الاقتصادي التركي في صورة لافتة، ونقل بلاده، في زمن قياسي، من دولة تعتاش من فتات البنك الدولي إلى دولة قادرة على تمويل البنك.
لم يتمكن أردوغان من فعل ذلك كله بمفرده. فطيف داود أوغلو حاضر دائماً. كرّس الرجل لهجة تركية حديثة، مستمدّة من كيسنجرية قديمة. وظهرت بصمات وزير الخارجية التركي السابق في محطات كثيرة. أبرزها على الإطلاق انكفاء أنقرة عن المطالبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كون "الاتحاد هو من سيعود إليها في نهاية المطاف". لا تريد تركيا "الجديدة" أن تقرع أبواب العاصمة النمساوية فيينا، كما فعلت الإمبراطورية العثمانية في 1683 وتُهزم، بل تريد من القارة العجوز أن تعود إلى أنقرة خاضعة وراغبة، على الرغم من الأنوف الألمانية والفرنسية.
وضع أردوغان ـ داود أوغلو كل شيء جانباً في الأشهر الأخيرة. اهتمّا بوضعهما الخاص، وجهّزا نفسيهما لانطلاقة متجددة، ويستعدّان لهدف أخير: الإطباق على المجلس النيابي في العام المقبل، لتحقيق السيطرة التامّة على كل مفاصل الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية التركية. لا يبدوان بعيدين عن تحقيق مثل هذا الهدف، خصوصاً وأن الاستحقاقات الداخلية والخارجية، أثبتت، بالنسبة إلى البلاد، نجاعة سياستهما. هما ليسا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس وزرائه، ديمتري ميدفيديف، لكنهما أكثر من ذلك. هما رجلان تمكنّا من المواءمة بين الجيش والعلمانية والإسلام السياسي والقضية الكردية ومشكلات الاقتصاد (السابقة) والعلاقة مع الجوار والاتحاد الأوروبي بدهاءٍ كثير. هنا، القائد ليس "الرقم واحد"، بل "رقم اثنين". هنا أحمد داود أوغلو.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".