داعشي أم مليشيوي؟

18 يناير 2015
لم تعد الحياة الجامعية في العراق الفترة الأجمل(فرانس برس)
+ الخط -

لم تعد الجامعات العراقية كما كانت عليه من قبل. بدا طبيعياً أن يصبّ كل هذا الاحتقان الذي يعانيه البلد فيها أيضاً، وخصوصاً بعدما أصبح للطلاب خياراتهم الحزبية، وصاروا أكثر تمسكاً بطوائفهم. لطالما كانت الجامعات تشهد على علاقات عاطفية بين الشباب والفتيات تنتهي بالزواج. لكن الخوف من الآخر أفسد كلّ شيء. اليوم، العلاقات بين الطلاب تكاد تكون سطحية. لا صداقات أو حب. ربما تنحصر بين الذين ينتمون إلى الطائفة ذاتها.

يقول الباحث الاجتماعي سالم صالح العبيدي لـ "العربي الجديد" إن "الجامعة هي أكثر الأماكن التي يفترض بها أن تحتضن العلاقات العاطفية أو الصداقات بين الطلاب بمختلف انتماءاتهم الطائفية والعرقية. يفترض بهذا الصرح أن يكون الأبعد عن الصبغة الطائفية والعرقية، إلا أن الواقع يلقي بثقله على الطلاب الذين لم يعودوا يثقون ببعضهم بعضا. الطائفية اخترقت الثقة بينهم".

كثيرون هم الطلاب الذين انخرطوا في ميليشيات مسلحة وأحزاب ما جعلهم ناقمين على آخرين ينتمون إلى أحزاب وطوائف أخرى. يرفض الطلاب بعضهم بعضا، ويكون الأمر أكثر حدة بين أولئك المؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" و"المليشيات".

في السياق، يقول الطالب في جامعة بغداد ـ كلية الهندسة، علي الراوي (23 عاماً) لـ "العربي الجديد" إن "العلاقات بين الطلاب لم تعد كالسابق. صار يشوبها الحذر بسبب الانتماءات الحزبية وتنامي الحس الطائفي بشكل كبير. يطلقون الصفات على بعضهم بعضا. هذا داعشي وذاك مليشيوي". أيضاً، يمكن القول إن العلاقات العاطفية بين الطلاب التي غالباً ما كانت تؤدي إلى الزواج اختفت تماماً. في الماضي، لم يكن العراقيون يكترثون لاختلاف طوائفهم. أما اليوم، فيستحيل أن يتزوج سني من شيعية أو العكس.

تلفت الطالبة في الجامعة المستنصرية ورود الأعظمي (21 عاماً) إلى "تنامي حالة الاحتقان الطائفي بين الطلاب نتيجة انخراط كثيرين في المليشيات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الحكومة أو العشيرة أو الحزب. كل هذا الاحتقان قطع الطريق أمام العلاقات العاطفية. لم نعد نرى أية علاقات حب في الجامعة تنتهي بالزواج بسبب المعارضة الشديدة لذوي الطلاب في حال كانوا ينتمون إلى طوائف مختلفة".

في السياق، يشير أستاذ علم النفس باسم الصالحي لـ "العربي الجديد" إلى تراجع العلاقات بين طلاب الجامعات، وخصوصاً العاطفية منها، مبيناً أن "العلاقات العاطفية بين الطلاب الذين ينتمون إلى طوائف مختلفة، والتي غالباً ما تنتهي بالزواج، انحسرت بسبب المعارضة الشديدة لأهالي الطلاب على خلفية اختلاف طوائفهم أو توجههم الفكري والحزبي". يضيف: "الصراع الطائفي في العراق انعكس على الطلاب، وكسر أواصر الثقة حتى بين الأستاذ والطالب في بعض الأحيان". يصفُ الأمر بـ "الخطير الذي ينذر بتفكّك غير مسبوق في العلاقات الاجتماعية في الشارع والمؤسسات التعليمية وغيرها من الأماكن التي يلتقي خلالها الناس".

من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية إيمان الرسام إن "الحياة الجامعية تعدّ الفترة الأجمل في حياة الشباب. خلالها، تنمو علاقات صداقة يفترض أن تكون نقية وبعيدة عن الأفكار المتطرفة. لكن قلة وعي الطلاب وضعف مستوى التعليم وتأثير الأيديولوجيات الدينية، مهّدت لانقسامات بينهم على أسس طائفية أو انتماءات حزبية وفكرية". تشير إلى أن "الطائفية انعكست أيضاً على أساتذة الجامعات، وقد غزت صور المراجع الدينية الجامعات، ما يعدّ خطأ فادحاً يتوجب على وزارة التعليم العالي ودوائرها المعنية العمل على إصلاحه. يجب إبعاد الجامعات العراقية
عن الصراعات الطائفية والعنصرية التي باتت تعصف بها بشكل واضح".

2014 الأكثر دموية

أعلنت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) عن مقتل وإصابة 28719 شخصاً خلال عام 2014، فيما اعتبرت مفوضية حقوق الإنسان العراقية العام نفسه "الأكثر دمويةً وعنفاً في البلاد". وأشارت البعثة إلى أنّ "العام الماضي شهد سقوط 11484 قتيلاً، ونحو 17235 جريحاً، جرّاء التفجيرات والعمليات الإرهابية"، لافتةً إلى أنّ "غالبية القتلى سقطوا بعد أحداث العاشر من يونيو/حزيران الماضي".
المساهمون