يضمُّ حيّ القصبة الأثري في مدينة الجزائر العاصمة العديد من المعالم المعمارية والتراثية التي أصبح بعضُها مجرّد أطلال، بفعل عوامل عديدة؛ طبيعية وبشرية، بينما لا يزال بعضُها صامداً؛ مثل "قلعة الجزائر" التي تستمرُّ عملية ترميمها منذ 2017، وسط تأخُّر كبير.
تُعدُّ القلعةُ، التي تُعرف أيضاً باسم "دار السلطان"، واحداً من أجمل معالم القصبة التي شُيّدت في القرن السادس عشر، بين عامي 1516 و1592م كمدينةٍ تضمُّ عدداً من القصور والمنازل والمساجد. صُنّفت القلعة ضمن قائمة التراث العالمي لـ "منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والثقافة والعلوم" (يونسكو) عام 2019، وظلّت تخضع لسلسلة طويلةٍ من عمليات الترميم التي لم تنته بعد.
تقول مصادر تاريخية بأنّ قلعة القصبة، التي تتربّع على مساحة هكتار ونصف وتقع على علو 118 متراً عن سطح البحر، قد بادر ببنائها القائدان التركيَّان الأخوَان عروج وخير الدين برباروس؛ وقد كانت في البداية ثكنةً تضمُّ مدفعَين، قبل أن تكتسب أهمية خاصّة في عهد الداي علي خوجة الذي قرّر تحويل مقرّ ديوانه من "قصر الجنينة" إليها عام 1816، وتربط المصادر ذلك بالاضطرابات التي عرفتها مدينة الجزائر في أواخر الحكم العثماني، والتي تسبّب فيها الجيش الانكشاري؛ حيث عمّت حالةٌ من الفوضى وجرى اغتيال العديد من الدايات. وقد استمرّ وضع القلعة في فترة الداي حسين الذي اتخذها مركزاً للحكم السياسي والاقتصادي والمالي للجزائر.
مؤخّراً، وقبل وباء كورونا، كشفت ولاية الجزائر العاصمة عن تجهيز خارطةِ طريقٍ لاستكمال عمليات الترميم الجارية في "قلعة الجزائر" منذ عامَين، بهدف "إعادة إحيائها واسترجاع بريقها المفقود"؛ حيث تعهّد والي العاصمة، يوسف شرفة، بتدارك التأخير المسجَّل في ترميم القلعة ومعالجة مختلف الاختلالات الموجودة في هذا المعلم التراثي والثقافي، كما تحدّث - خلال زيارةٍ ميدانيةٍ إلى "دار السلطان" - عن "ضرورة الانتهاء من أشغال الترميم في آجاله المحدَّدة وفق النمط المعماري الإسلامي، لتُصبح القصبة العتيقة مقصداً سياحياً وثقافياً".
تُضاف تصريحات شرفة إلى تصريحاتٍ مشابهة لمسؤولين سابقين تحدّثوا عن ضرورة الانتهاء من مشروع ترميم القصبة ومعالمها "في الآجال المحدَّدة"، والذي باتَ أشبه بمسلسلٍ طويلٍ لا تنتهي حلقاته، رغم المبالغ المالية الكبيرة التي خصّصتها الدولة للمشروع الذي أُسند إنجازه إلى عددٍ كبير من مكاتب الدراسات والخبراء في مجال الترميم.
ويأتي الترميم، الذي انطلق قبل قرابة ثلاث سنوات، بعد عقودٍ من الإهمال الذي تعرّضت له "قلعة الجزائر"، بما تضمّه من معالم أثرية؛ وأبرزها "قصر الداي"، و"مسجد الداي"، و"حي الإنكشاريين"، و"دار البارود"، و"مسجد البرّاني".
ويقول مهندسون وممثّلو مكاتب الدراسات الذين يُشرفون على عمليات الترميم إنَّ صعوباتٍ كثيرة تواجه عملهم؛ مثل العثور على تحف أثرية أثناء الترميم، وهو ما يفرض التوقف حتى تدخّل الباحثين الأركيولوجيين، إضافةً إلى هشاشة المباني وتآكلها، ما يفرض إجراءاتٍ احترازية، كتدعيم الأسس والجدران، وكلُّ ذلك يتطلّبُ - حسبهم - وقتاً إضافياً لإتمام الترميم.
يندرج ترميم "قلعة الجزائر" ضمن مخطَّطٍ شامل لترميم القصبة تُشرف عليه ولاية الجزائر وتبلغ تكلفته قرابة 24 مليار دينار جزائري، ويتضمّن ترميم مجموعةٍ من المساجد والقصور والدويرات التي تقع في شارع الإخوة أوسليماني في القصبة السفلى، إضافةً إلى دار المجاهدة جميلة بوحيرد.
يُذكر، في هذا السياق، أنَّ ملف ترميم القصبة وإعادة إحيائها جرى تحويله من وصاية وزارة الثقافة إلى ولاية الجزائر في كانون الأول/ ديسمبر 2016. ومنذ ذلك التاريخ، تكتفي وزارة الثقافة بمتابعة الملف تقنياً عن طريق "الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة".
وعرف حيُّ القصبة العتيق، الذي كانَ ساحةً لجانبٍ من نضال الجزائريّين ضدّ الاستعمار الفرنسي، تضرُّراً كبيراً خلال "العشرية السوداء" في تسعينيات القرن الماضي، كما ألحقت العوامل الطبيعية أضراراً بالغةً بمعالمه. وبعد الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر، خصّصت الدولة مبالغ ضخمةً لترميمه، دون تحقيق نتائج كبيرة.
في 2018، أشارت تقارير صحافية إلى إبرام ولاية الجزائر اتفاقية مع إقليم إيل دوفرانس في فرنسا لترميم القصبة تحت إشراف المهندس الفرنسي جون نوفال، بتكلفة 26 مليار دينار جزائري، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الجزائر؛ حيثُ اعتبر متابعون الصفقة بمثابة "هدية للفرنسيّين"، وهو ما ردّت عليه ولاية الجزائر بالقول إنّ عمليات الترميم سيتكفّل بها خبراء وعمّال جزائريّون تحت إشراف 14 مكتب دراسات و17 مؤسّسة جزائرية، في حين تُسند إلى نوفال عملية إعادة تهيئة خليج العاصمة وليس القصبة.