دائرة المخاوف تكبر من جيل إلى جيل

01 فبراير 2015
+ الخط -
بات سامر، وهو شاب في الثامنة عشرة، أكثر حذراً حين يخرج مع رفاقه في المساء. والده يعتريه القلق من أن ابنه، الذي حضر إلى بلجيكا وهو في الرابعة، صار أكثر ميلاً نحو إظهار التدين في تصرفه مع محيطه. وهو أكثر إلحاحاً على معرفة الأماكن التي سيرتادها سامر ومع من سيكون ومتى سيعود إلى المنزل.
تبدو والدة سامر عالقة بين طرفين، فهي من جهة تعرف بأن زوجها قلق على ما يمكن أن يواجه سامر بعد أن أصبحت التشديدات الأمنية تراقب أي تصرف يصدر عن الشباب، ومن الجهة الثانية هي تعرف بأنه "لا يمكن الطلب من شاب في هذا السن أن يجلس في المنزل منذ ما بعد انتهاء الدوام المدرسي". وتقول: "أفهم ابني، فهو يخبرني بأن القلق الذي زاد عند والده يجعله متوتراً طيلة الوقت، لكنه بذات الوقت يبرز حالة من ممر إجباري في هذا السن بحثاً عن هوية أو شيء يجعله منتمياً لما انتمى إليه كثير من أجيال الشباب في فترات سابقة. التمرد على السلطة واحدة من مشاعر هذا الجيل".
يقول والد سامر: "أفهم تماماً المشاعر التي يحملها ابني. مررنا جميعاً بذات المرحلة، لكننا نعيش حالة نفسية تختلف حتى عن تلك التي عشتها أنا في شبابي هنا. لم نكن متهمين ومشبوهين جميعاً بهذا الشكل الذي انساق خلفه للأسف كثيرون في هذه المجتمعات، بل حتى من بعض العرب إن شاهدوا شاباً يميل نحو التدين. سيظن كثيرون، بسبب تأثيرات الإعلام والضخ الذي يشيطن جيل الشباب مضاف إليه تشديدات أمنية وملاحظات في المدارس على كل تصرف يعتبرونه جديداً على الشاب".
قصة سامر هذه هي تعبير عن حالة من التوتر النفسي الذي تلا هجمات باريس. وبفعل، الضخ الإعلامي، وهو ليس مقتصراً على بلجيكا وحدها، صار يضع جيلاً كاملاً من شباب عربي ومسلم تحت مجهر الأهل والمجتمع.
التوتر الحاصل له تأثيراته النفسية السلبية على علاقة الشباب بأهاليهم. بعضهم، قد لا يكون بمستوى انفتاح أسرة سامر، تصل المشاحنات بينهم حداً لا يُطاق قد يستدعي أحياناً تدخل موظفين حكوميين في مجالات الإرشاد الاجتماعي.
وبالرغم من كل هذا التوتر، يشير مختصون في شؤون الشباب بأنه لا يجب رؤية ميول جيل الشباب بمعزل عن الحراك التاريخي مهما كانت خلفياتهم، كما يشرح واحد منهم: "فلدينا حالة تشبه حالة الستينيات والسبعينيات في مجتمعاتنا الغربية حيث اتجه الكثير بعد ثورة الشباب إلى مجتمعات الهيبيز واليسار ومعارضة الحروب والتقاليد، ونحن اليوم بيننا جيل من الشباب المسلمين يشعرون بأن حركتهم مراقبة، حتى في دول أخرى. فهم جزء من هذا المجتمع وسوف نجبر جميعاً على التعاطي بواقعية وفهم كامل لما يدفع هؤلاء لاختيار هوية معينة. إن مراجعة دقيقة وسريعة لا بد ستجري لكيفية التعاطي السابق المنتج لتهميش وإحباطات".
يظن سامر بأن الأمر "عائد لهم، فإذا أرادوا فهمي فليفعلوا. وإلا فأنا كما أنا، مع تفهمي لقلق أسرتي وأقاربي. لكنني لا أفعل شيئاً مخالفاً ولا يجب أن أحاكَم على هيئتي وأفكاري".
المساهمون