خُطة تقسيم سورية

13 مارس 2016
+ الخط -
"ربما فات الأوان لإبقاء سورية موحدة، إذا استمر القتال فترة أطول من ذلك"، هذا ما قاله وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قبل نحو أسبوعين، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي كان قد حذر في تصريح آخر: "أن الولايات المتحدة تدرس خُطة بديلة للتعامل مع الوضع في سورية، في حال لم تكن دمشق وموسكو جادتين في التفاوض على الانتقال السياسي"، على حد وصفه.
وكان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الأسبق، مايكل هايدن، قد أدلى بتصريحات مشابهة لشبكة سي إن إن الأميركية قال فيها: "ما نراه في الشرق الأوسط هو انهيار للقانون الدولي، وللاتفاقات التي تلت الحرب العالمية الثانية، مثل فرساي وسايكس بيكو، وأن سورية والعراق لم تعودا موجودتين، ولن ترجعا إلى سابق عهدهما".
إذا ما ربطنا التصريحين ببعضهما، وهما لمسؤولان كبيران بالإدارة الأميركية، جديد وسابق، وتصريحاتهما ليست مجرد كلام عابر، نستنتج أن فكرة إعادة تقسيم المنطقة العربية كانت واردة أصلاً في دوائر صُنع القرار الأميركي منذُ زمن، ليس في سورية وحسب، وإنما في عدة دول في المشرق العربي، وما شاهدناه من إعادة تقسيم للعراق على أساس طائفي، بُعيد الاحتلال الأميركي، إبان حُكم بريمر، كان نموذجاً حياً لذلك على واقع الأرض.
بشكل عام، لم يتوقف الحديث عن تقسيم جديد للشرق الأوسط، منذ ثمانينات القرن الماضي، بدءا من خرائط أودد ينون إلى خطة برنارد لويس، وربما ليس انتهاء بخرائط رالف بيتر التي نُشرت في العام 2006 تحت عنوان حدود الدم، وكل تلك الخرائط وغيرها، مما رسمته مراكز أبحاث تابعة لدوائر صُنع القرار في الدول الغربية، وأولها الولايات المتحدة الأميركية، تصبُّ في إعادة تقسيم المنطقة العربية، على أسس طائفية، تخدم إسرائيل في المقام الأول، وكانت سورية حاضرة دوماً، في قلب تلك الخرائط والتقسيمات، حتى قبل اندلاع الثورة السورية التي تزامنت مع موجة الربيع العربي.
لا جديد إذاً في تصريحات كيري عن تقسيم سورية، وإنما كان الجديد فيها حديثه عن الخطة "ب"، أو الخطة البديلة التي لم يفصح عن تفاصيلها، كما في توقيتها الذي جاء في أعقاب التقدم الذي أحرزته قوات النظام السوري، المدعوم بالقصف الروسي المتواصل، في محافظات اللاذقية وحلب الاستراتيجيتين، على حساب المعارضة المدعومة من الرياض وأنقرة. بمعنى آخر، جاء توقيت تلك التصريحات، بعد أن أصبح الموقف على الأرض في صالح روسيا وبشار الأسد، ما يعني أنهما سيكونان في موضع الأقوى، في أي مفاوضات أثناء الهدنة أو بعدها، وهي التي لن تصمد طويلاً بطبيعة الحال.
لا ندري إن كان الوزير كيري قد قصد الخطة نفسها التي كانت قد تحدثت عنها العربية السعودية، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، أو أنه كان يقصد خطة أخرى، لكن ما نعلمه جيداً أن حديث السعودية وتركيا هو حول خطة تصعيدية، تشمل تسليح الفصائل السورية المعارضة، هدفه الرئيس- بعيداً عما يُطرح إعلامياً من محاربة تنظيم داعش- هو إيقاف التوسع لقوات بشار الأسد المدعوم روسياً وإيرانياً، وفرض منطقة آمنة، تحُد من تحركات الطيران الروسي، وتحدث نوعاً من التوازن للقوى على الأرض، لكنها لم تتطرق لفكرة التقسيم، لا من قريب ولا من بعيد، بل لا يمكنها الحديث عن ذلك بداهة.
ظلَّ الدور الأميركي سلبياً وغامضاً، طوال فترة التدخل الروسي في سورية، كما ظل كذلك في بقية الملفات الساخنة مثل اليمن، وقد اقتصر دوره على ممارسة الضغوط على حلفائه في المشرق العربي، تركيا والسعودية، وعمل على إعاقة جهودهم الرامية إلى تطبيق رؤيتهم في واقع الأرض، وكأنه كان يريد فعلاً، أن يحدث ذلك التقدم لنظام الأسد على الأرض أولاً، ومن ثمَّ يبدأ بعدها الحديث عن خُطط للحل وتدخل فعلي لإنهاء الحرب، ما عزّز القول إن اتفاقاً ما حصل بالفعل بين روسيا وأميركا، قبل البدء بالتدخل الروسي، حول آلية الحل النهائي، بطريقة تحفظ مصالح كليهما على حساب العرب.
في المحصلة، لن تذهب آلية الحل الروسي الأميركي في سورية بعيداً عن خيار التقسيم، أقله كأمر واقع، خصوصاً وأن هذا هو السلوك السائد، في سياسات الولايات المتحدة، في نزاعات سابقة مشابهة، كالتي حدثت في كوريا وفيتنام وجورجيا والعراق، وفي أوكرانيا أخيراً، وسيتم على نحو ما، الاعتراف بسيطرة القُوى الرئيسية على مناطق نفوذها الراهنة، وتبقى سورية المهمة على الساحل الغربي، من نصيب بشار الأسد ونظامه، وسورية الداخل تتنازعها المعارضة المسلحة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والمنطقة الحدودية مع تركيا ستكون من نصيب الأكراد، وهذا ما لا نعتقد أن تركيا والمملكة العربية السعودية ستقبلان به.
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
حبيب العزي (اليمن)
حبيب العزي (اليمن)