سيّئ هو واقع مخيمات محافظة القنيطرة السورية، نتيجة الشتاء القاسي وضعف تمويل المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، الأمر الذي يزيد معاناة النازحين على الرغم من انخفاض حدّة المعارك بين قوات النظام السوري والمعارضة كنتيجة لاتفاقية خفض التصعيد.
ويستمرّ نزوح العائلات السورية هرباً من سطوة تنظيم "داعش" الذي يسيطر على أجزاء من وادي اليرموك، في اتجاه ريف القنيطرة، فتنصَب مخيمات عشوائية. واحد من تلك المخيمات نُصِب على عجل في قرية عين التينة، جنوبيّ القنيطرة، ويضمّ أربعين عائلة. أبو أحمد، من سكّان هذا المخيّم، يقول: "هربنا من داعش ووصلنا إلى القنيطرة. حاولت استئجار بيت، لكنّ غلاء الأسعار لم يسمح لي بذلك، فقرّرت وجيراني بناء هذا المخيّم". يُذكر أنّ المخيّم يقع عند أطراف قرية عين التينة على أرض منبسطة ترابية خالية من الأشجار، وقد استخدمت فيه أكياس الخيش والبلاستيك وأغطية الصوف لبناء الخيم، وقد جرى تثبيتها بأحجار كبيرة خوفاً من اقتلاعها أثناء العواصف. ويشير أبو أحمد إلى أنّهم عمدوا إلى "خياطة جدران الخيمة وسقفها بطريقة يدوية بالإبرة والخيط. ولأنّ الهواء يدخل إليها عبر ثغرات، فقد غطيناها بمواد لاصقة".
من جهتها، تروي عصمت الحسين، التي تسكن في المخيّم نفسه، أنّه "في أثناء هروبنا، حملنا معنا بعض الفرش وقمنا بتغطية أرض الخيمة بها. ونحن نأكل وننام ونجلس على الفرشة نفسها". وتشير إلى "صعوبات يومية نعاني منها وتنهكنا. كلّما احتجنا إلى المياه على سبيل لمثال، نعمد إلى نقلها من خزّانات مشتركة. وعندما نريد أن نطهو الطعام، فإنّنا نقضي ساعات في جمع البلاستيك والأخشاب. إلى ذلك، الحمامات ليست متوفّرة هنا". تضيف الحسين أنّ "أيام المطر والرياح هي الأصعب. ففي الأسابيع القليلة الماضية هبّت العواصف واقتلعت عدداً من الخيم، في حين تحوّلت الطرقات إلى برك وحل. وقد مرض الأطفال وأصيب معظمنا بالزكام". وتلفت إلى أنّهم نقلوا أحد المسنين إلى مستشفى لكنّه لم يعد.
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المخيّم يبعد كيلومترات عدّة عن مركز قرية عين التينة، لذا يستخدم سكّانه الدراجات النارية لنقل حاجاتهم، بينما يعانون من نقص في الخدمات الصحية من جرّاء عدم وجود كوادر طبية أو مراكز صحية في الجوار. ويضطر النازحون إلى نقل الحالات الصحية الحرجة والطارئة بواسطة الدراجات النارية، لعدم توفّر سيارة إسعاف مخصصة لهم.
في السياق، تقول بثينة، وهي شابة من سكان المخيّم، إنّ "أحداً لا يستطيع وصف ألمنا ونقله، عندما هبطت الخيمة علينا بسبب الأمطار ووسط البرد في الساعة الثانية فجراً". وتخبر: "استيقظت وزوجي على صراخ أطفالنا وقد غطّانا سقف الخيمة. فخرجنا تحت المطر وبقينا حتى السادسة صباحاً نرمّم ما خرّبته الرياح". وتتساءل: "إلى متى سوف تستمر هذه الحياة؟ لم يعد بمقدورنا تحمّل المزيد. كلّ ما نريده هو العودة إلى ديارنا والعيش في أمان".
ويعاني النازحون في هذا المخيّم من نقص الخدمات الإغاثية المقدّمة إليهم من قبل المنظمات المحلية بسبب انخفاض معدّلات التمويل التي تخصصها المنظمات الإنسانية الدولية والمانحون الدوليون. يقول أبو أحمد: "منذ أربع سنوات ونحن نتنقّل من مخيّم إلى آخر، إمّا بسبب قصف النظام أو المعارك بين الجيش الحرّ وداعش. وهنا نفتقر إلى الإغاثة، ولم تزرنا سوى منظمة واحدة منذ ثلاثة أشهر سجّلت احتياجاتنا ولم تعد قطّ".
إلى ذلك، يضطر الأهالي إلى قطع الأشجار واستخدامها للتدفئة، بالإضافة إلى حرق المواد البلاستيكية والأقمشة والنفايات وروث الحيوانات، وهو الأمر الذي يسبّب ارتفاعاً في الأمراض التنفسية والرئوية خصوصاً لدى الأطفال. ويقول الممرض عبد الجبار عثمان، إنّ "هؤلاء المرضى يحتاجون إلى أدوية غير متوفرة بصورة دائمة، لذا نؤمّنها بطرق غير نظامية من الأردن وبأسعار مرتفعة جداً، الأمر الذي يعجز عن تحمّله كثيرون". يُذكر أنّه على خلفية الواقع السيّئ الذي تعيشه مخيمات القنيطرة، نظّم الأهالي عدداً من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات في مخيّم الكرامة (40 كيلومتراً جنوبيّ القنيطرة)، للمطالبة بتحسين أوضاعهم.
مطلب مستعجل
وفي مخيّم الكرامة، يعيش 350 طفلاً وسط غياب لوسائل التدفئة. ويشير أحد القائمين على المخيّم إلى "عدم قدرتنا على شراء الحطب. وقد نظّمنا وقفات احتجاجية للمطالبة بتأمين وقود للتدفئة. هذا مطلبنا المستعجل اليوم". يضيف: "بعد ثلاثة أشهر على دخول الشتاء القاسي إلى خيمنا، لم نلقَ أيّ استجابة من منظمات إنسانية أو مجالس محلية أو حتى من الحكومة السورية المؤقتة".