خيام "التدخّل السريع" في الضفة... نسخة عن "لجان الحراسة"

12 مارس 2020
إحدى الخيم المنصوبة في جبل العُرمة (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -


تحت اسم جديد، لكن بالمضمون والمحتوى ذاته الذي تحمله لجان الحراسة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة، أُعلن إنشاء مراكز "الحماية والتدخّل السريع" في مناطق الأغوار وبعض البلدات والقرى المستهدفة من المستوطنين، تشرف عليها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، "بهدف الوقوف إلى جانب المزارعين والبدو والرعاة، والدفاع عنهم وصدّ الاعتداءات التي يتعرضون لها"، كما يؤكد القائمون عليها.
لكن المرابطين في تلك الخيام لا يملكون إلا أدوات ومعدات بدائية مثل العصي والحجارة للدفاع عن أنفسهم وعن المناطق التي يوجدون فيها، في مقابل جنود الاحتلال الإسرائيلي بكامل عتادهم العسكري، أو مستوطنين مسلحين ويحظون بحماية الجنود، ما يجعل فكرة الحماية بحد ذاتها صعبة جداً. كذلك فإن التفاعل الشعبي مع الفكرة بقي دون المستوى المطلوب، وأعداد المرابطين قليلة من الناشطين والمتضامنين الأجانب، نظراً للتجارب السابقة في لجان الحراسة التي بقيت مقتصرة على المتضررين بالدرجة الأولى.

خطر داهم

مع الإعلان رسمياً عن "صفقة القرن" (الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) وبدء الاحتلال الإسرائيلي بخطوات علنية على الأرض لضمّ الأغوار وترسيم المستوطنات في الضفة الغربية، اتخذت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان قراراً بإنشاء خيام ضخمة في الأغوار وجنوب نابلس تحديداً، لكونها من أكثر المناطق تعرضاً لهجمات المستوطنين، جُهِّزَت بمنامات ووحدات صحية وإضاءة وإنترنت، لتؤوي أعضاءً من الهيئة وناشطين محليين في المقاومة الشعبية ومتضامنين أجانب ونشطاء سلام إسرائيليين، يكونون على استعداد في حال وقع هجوم، وفق ما يقول المسؤول في الهيئة مراد اشتيوي، لـ"العربي الجديد".
اشتيوي لم ينفِ أن الفكرة قديمة، "فهي امتداد للجان الحراسة التي شُكّلت قبل سنوات، ونحاول اليوم إحياءها من جديد استشعاراً منا بالخطر الداهم على الأرض الفلسطينية بعد إعلان صفقة القرن والإقرار الأميركي بشرعية الاستيطان، ما أعطى دافعاً إضافياً للمستوطنين حتى يستشرسوا في هجماتهم، فكان لا بد من التحرك الشعبي، ومن هنا برزت فكرة إنشاء خيام في المناطق المستهدفة في الضفة عامة والأغوار خصوصاً".

إمكانات محدودة
وعمّا إذا كانت الهيئة قد استفادت من تجارب لجان الحراسة، ودرست أسباب تراجعها، يوضح اشتيوي أن "هذا جهد جماعي يشترك فيه كل المؤمنين بالفكرة، ولكل واحد منهم دوره، والمئات أبدوا استعدادهم لإنجاح الفكرة، وبالفعل وضعنا قوائم بأسمائهم، وعملنا على توزيعهم على الأماكن المستهدفة".
وعن آليات صدّ الهجمات في حال وقوعها، لا يحمل المرابطون في تلك الخيام إلا العصي والكشافات "إنارة ليلية"، وأجهزة اتصال وإنترنت يساعدهم على التعميم على منصات التواصل الاجتماعي للتحذير من وقوع أي هجوم وطلب المساعدة، وجرى التنسيق لإعلان ذلك عبر مكبرات الصوت في المساجد القريبة.

لكن اشتيوي يقول: "سندافع ونصدّ أي هجوم بالإمكانات المتاحة. نحن نعرف قدراتنا، فقد أقمنا الخيام في مناطق تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، أو أن الاحتلال يصل إليها بسهولة، بالتالي لا نملك إمكانات أكثر من عصا أو حجر، لكن السلاح الحقيقي هو الإرادة الصلبة التي يتمتع بها المرابطون، وما جرى في جبل العُرمة في بلدة بيتا جنوب نابلس، الجمعة، خير دليل، فكل محاولات الاحتلال لإخلاء الجبل بالرصاص والغاز المسيل للدموع لم تفلح في ذلك، وأفشلنا سيطرة المستوطنين عليه".


وكان الفلسطينيون قد رفعوا قبل أسبوعين علم فلسطين على قمة جبل العُرمة على سارية ارتفاعها 25 متراً، للدلالة على فلسطينية المكان، فيما عملت بلدية بيتا مع المؤسسات ذات الصلة على شق طريق توصل إليها، وتزويدها بالكهرباء وإضاءة الشارع، والعمل جارٍ حالياً لتوصيل شبكة مياه إلى المنطقة.
سبق ذلك نصب خيام "للتدخّل السريع" في قرية المالح في الأغوار الشمالية، وخربة أم الرشراش جنوب نابلس، وسيتبع ذلك مواقع أخرى في الضفة الغربية، خصوصاً التي تتعرض باستمرار لهجمات من المستوطنين أو قوات الاحتلال.

تراجع ملحوظ
منذ الإعلان قبل نحو عقد من الزمن عن تأسيس أول لجان الحراسة الشعبية التطوعية لصدّ اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، افتقرت تلك اللجان إلى الأدوات الحقيقية التي تمكّنها من الاستمرار، وإقناع الفلسطينيين بالانضمام إليها وتوسيعها، على الرغم من بعض النجاحات هنا وهناك، وتحديداً في قرى جنوب نابلس شمال الضفة الغربية.

ومع تصاعد هجمات المستوطنين بحق المزارعين الفلسطينيين في بلدات وقرى نابلس الجنوبية عام 2010، التي تمثّلت بإطلاق الرصاص على الفلاحين وقتل بعضهم وسرقة محاصيلهم الزراعية، وإضرام النيران في المساجد والبيوت والمركبات، بزغت فكرة تشكيل لجان تُرابط طوال ساعات الليل في المناطق المستهدفة من المستوطنين، إلا أنها بقيت "جسداً بلا أيدٍ وأرجل"، كما يمكن وصفها، إذ لا تحمل رؤية واضحة تساعدها على الاستمرار ولا أدوات على الأرض ومعدات تجعلها أكثر فاعلية في صدّ الهجمات، إلا ما يتوافر بين أيدي أعضائها، وهم خليط من المحسوبين على حركة "فتح" والناشطين المحليين والموظفين والطلبة، من عصي وكشافات إضاءة، لا تصمد أبداً أمام هجمات منسّقة ومدروسة.

ومع كل هجوم استيطاني دامٍ كما جرى مع عائلة دوابشة جنوب نابلس عام 2015، عندما أحرق المستوطنون الأب والأم وطفلهم الرضيع وهم نائمون، يعود الحديث بقوة عن إعادة تشكيل لجان الحراسة، لكنها سرعان ما تخبو بمرور الأيام، حتى يقع هجوم جديد.
ويقرّ مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، غسان دغلس، بضرورة إعادة تقييم أداء لجان الحراسة "التي لن تستطيع مواصلة عملها من دون احتضان من أعلى المستويات"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "التغنّي بمجموعة هنا أو هناك لا يكفي. هؤلاء مواطنون بسطاء لديهم غيرة وحرص على وطنهم وأرضهم، ومستعدون للدفاع عن قراهم بأرواحهم. لكن السؤال ماذا بعد؟ هل يمكن مواطنين عُزّلاً صدّ هجوم مسلح يشنّه مستوطنون مدعومون بقوات الاحتلال المدججة بالسلاح؟! طبعاً لا".

ومع هذا، يرى دغلس أنه لا بد من تعميم الفكرة لحشد أعداد كبيرة من الناس لترابط في تلك الخيام، "فالعدد الكبير يمكنه أن يصمد أمام الهجوم، بل قد يدفع المستوطنين إلى التراجع أصلاً عن شنّ أي هجمة. لكن إذا كان العدد قليل، فلا شك سيكونون وجبة سائغة للاحتلال ومستوطنيه".
وأمام نماذج ناجحة للجان الحراسة، مثل بلدة قُصرة جنوب نابلس التي تمكّن أفرادها من احتجاز مستوطنين لساعات في ما يشبه مغارة قبل بضع سنوات، وإشباعهم ضرباً قبل تدخّل جيش الاحتلال للإفراج عنهم، وكذلك ما جرى في الخان الأحمر في بادية القدس المحتلة، يرى دغلس أنه يمكن تكرار التجربة في الأغوار والخليل وجنوب نابلس وسلفيت، وغيرها من الأماكن.