19 ابريل 2021
خيار لا بد منه
تتراجع الثورة السورية ميدانيا. هذه واقعة صار ضروريا قولها بالفم الملآن، ليس لمجرد الجهر بها، وإنما كذلك لإيجاد ردود فاعلة على ما يترتب عليها من فشل، وما تثيره في نفوس السوريين من يأس ومرارة.
وعلى الرغم من أننا مللنا من لفت أنظار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى الأخطار قبل وقوعها، ولم نترك مناسبةً إلا وصرخنا فيها محذّرين من التهاون في مواجهتها، فإنه لا يظهر أي ميل إلى التعامل مع تعقيدات الصراع ومستجدّاته، ولا يهتم بما يقال عنها، مهما كان استباقيا وصادقا، مع أن المبادرة إلى مواجهته كانت متاحةً دوما، وإحباطه بنجاح لم يكن يوما أمرا مستحيلا أو متعذّرا.
يتبجّح النظام بانتصاراته الميدانية، كأن من يحققها هو "جيشه العربي السوري" الذي أثبت، بأدلة قاطعة، طوال سبعة أعوام، أنه ليس جيشا أو عربيا أو سوريا، وأن دوره يقتصر على إصدار بياناتٍ يسرق بواسطتها ما يحققه الروس ومرتزقة إيران من مكاسب أرضية هنا أو هناك. وقد سأل، أخيرا، احد أشد رموز الأسدية صفاقة، بشار الجعفري، في حديثٍ عن ضرورة تخطّي جنيف: على ماذا سنفاوض المعارضة، وهل بقي لديها ما تفاوض عليه؟ ومع أن هذا الادعاء كاذب جملة وتفصيلا، لأنه ما زال بحاجة إلى قتال كثير، كي يخمد نار الثورة في مكانها الحقيقي: قلوب السوريين وعقولهم، فإن قوله يؤكد جهله بأن الثورات لم تنتصر بما احتلته من جغرافيا، بل بالإرادة الجمعية التي دفعت الشعوب إلى التصدّي للنظم الظالمة التي تحكمها. وقد انفجرت الثورة السورية، بدورها، حين بلغ العسف والقهر حدا كان لا بد أن
يتمرّد الشعب السوري عليه، بينما عجزت الأسدية عن الاستمرار في إخضاعه بما اعتمدته من سياسات خلال نصف قرن. انفصل معظم السوريين في أثنائه عن النظام، واكتسبت فكرة الثورة حتميةً متزايدةً في نفوسهم. وعندما قاموا بالثورة لم يكونوا قد حرّروا بعد أي شبر من وطنهم. ولو كان الجعفري كائنا عاقلا لكفاه كي يخجل من قول السخافة التي ذكرها أن يلقي نظره على صمود الشعب طوال سبع سنوات ضد عنف محلي وإقليمي ودولي، ليستنتج أن نظامه انتهى، وأن الثورة ما زالت تمتلك فرصا عديدة لتصحيح أوضاعها ومسارها، والوقوف على قدميها، بتبني نهج يعوّضها بالسياسة عمّا تخسره من أرض، ويضع بين يديها خياراتٍ سياسية مطابقة لحاجاتها، ومعبرة في الوقت نفسه عنها، تحتوي بواسطتها خساراتها الأرضية، وتبني موازين وعلاقات قوى توقف خسائرها الميدانية، وتعيدها إلى ما فقدته منها.
تواجه الفصائل اليوم مصاعب ترجع إلى بنيتها الذاتية، وما تتعرّض له من عجزٍ عن وقف تراجعها الميداني في مناطق عديدة. بسبب هذا التراجع الذي يستمر منذ نيفٍ وعام، أي منذ سقوط حلب، تمسي حاجة الثورة إلى بدائل تتخطى المجال العسكري، تنشط ما بين يديها من روافع سياسية تمكّنها من التعويض عن الخسائر العسكرية سياسيا، سواء بتوسيع رقعة العمل الثوري، وجعله شاملا وغير مرتبط بالجهد العسكري وحده، أم بنقل مركز ثقل المعركة ضد النظام من القتال بالسلاح إلى القتال بسياساتٍ من نمط مغاير لما اعتمد منها خلال الأعوام الماضية، هدفها تجديد شباب الثورة من كل جوانبها وطنيا، وصيانتها من السقوط بسبب فشل الفصائل المتمذهبة الذي كان متوقعا منذ وقت طويل، في مواجهة روسيا وإيران ومرتزقتهما.
ربما كان أحد أعظم أخطاء المعارضة تعايشها مع غلبة الجانب العسكري على طابع الثورة السياسي. واليوم، وتحسبا لعدم ربط مصيرها بتراجع العمل العسكري، من الضروري أن توسع الثورة حراكها عبر انتهاج خط سياسي مرن وعقلاني، يتمسك بأهداف ثورة الحرية، استنادا إلى أوسع مشاركة شعبية داخلية في القرار، ويبني ساحة خارجية للثورة بقدرات سوريي المهاجر وعربها، تتصاعد أنشطتها بالقدر المطلوب لإبقاء شعلة الثورة وهّاجة، والإسهام في تعميق النهوض الوطني الملحوظ في الآونة الأخيرة، ردا على مؤتمر سوتشي الذي يجب أن يستفاد منه لتجديد شباب ثورة شعب سورية الوطنية الديمقراطية، وتزويدها بقيادةٍ ثوريةٍ، سيكون
دورها حاسما في بلورة خطط وبرامج واستراتيجيات الصمود، وصد النظام وإيران وروسيا، وصولا إلى الانتصار، باعتماد مبادرات استباقية، تنهي ما تمارسه مؤسسات المعارضة الحالية من ردود أفعال لحاقية، متقطعة وجزئية، عائدها الوحيد العجز الملحوظ والتردّي المتزايد في كل قضية وموقف.
ثمّة حاجة إلى مراجعةٍ تتم في اللحظة الحاسمة التي تمر الثورة بها، للبحث في احتواء تراجع الثورة العسكري سياسيا، وبلورة الخط الثوري/ الشعبي في مضامينه، الضروري لذلك الذي يجب أن يكون متجدّدا، ومبادرا في أساليبه، يتفاعل السوريون معه بالدعم لوقف التراجع. وفي النهاية الفشل الفصائلي، بعد أن صار واضحا أن سياسات مؤسسات المعارضة السياسية والعسكرية وأساليبها لا تكفي لوقفهما.
هل ستنجح المعارضة، الرسمية والمجتمعية، في احتواء تراجع الفصائل العسكرية سياسيا، باستثمار حال النهوض الوطني التي نعيشها لأول مرة منذ خمسة أعوام ، وتذكّرنا ببدايات الثورة وحراكها المجتمعي السلمي الهائل؟ وهل سيقبل السوريون بعد اليوم أيضا تضييع فرص ثمنها دماؤهم وضياع ثورتهم ووطنهم؟.
وعلى الرغم من أننا مللنا من لفت أنظار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى الأخطار قبل وقوعها، ولم نترك مناسبةً إلا وصرخنا فيها محذّرين من التهاون في مواجهتها، فإنه لا يظهر أي ميل إلى التعامل مع تعقيدات الصراع ومستجدّاته، ولا يهتم بما يقال عنها، مهما كان استباقيا وصادقا، مع أن المبادرة إلى مواجهته كانت متاحةً دوما، وإحباطه بنجاح لم يكن يوما أمرا مستحيلا أو متعذّرا.
يتبجّح النظام بانتصاراته الميدانية، كأن من يحققها هو "جيشه العربي السوري" الذي أثبت، بأدلة قاطعة، طوال سبعة أعوام، أنه ليس جيشا أو عربيا أو سوريا، وأن دوره يقتصر على إصدار بياناتٍ يسرق بواسطتها ما يحققه الروس ومرتزقة إيران من مكاسب أرضية هنا أو هناك. وقد سأل، أخيرا، احد أشد رموز الأسدية صفاقة، بشار الجعفري، في حديثٍ عن ضرورة تخطّي جنيف: على ماذا سنفاوض المعارضة، وهل بقي لديها ما تفاوض عليه؟ ومع أن هذا الادعاء كاذب جملة وتفصيلا، لأنه ما زال بحاجة إلى قتال كثير، كي يخمد نار الثورة في مكانها الحقيقي: قلوب السوريين وعقولهم، فإن قوله يؤكد جهله بأن الثورات لم تنتصر بما احتلته من جغرافيا، بل بالإرادة الجمعية التي دفعت الشعوب إلى التصدّي للنظم الظالمة التي تحكمها. وقد انفجرت الثورة السورية، بدورها، حين بلغ العسف والقهر حدا كان لا بد أن
تواجه الفصائل اليوم مصاعب ترجع إلى بنيتها الذاتية، وما تتعرّض له من عجزٍ عن وقف تراجعها الميداني في مناطق عديدة. بسبب هذا التراجع الذي يستمر منذ نيفٍ وعام، أي منذ سقوط حلب، تمسي حاجة الثورة إلى بدائل تتخطى المجال العسكري، تنشط ما بين يديها من روافع سياسية تمكّنها من التعويض عن الخسائر العسكرية سياسيا، سواء بتوسيع رقعة العمل الثوري، وجعله شاملا وغير مرتبط بالجهد العسكري وحده، أم بنقل مركز ثقل المعركة ضد النظام من القتال بالسلاح إلى القتال بسياساتٍ من نمط مغاير لما اعتمد منها خلال الأعوام الماضية، هدفها تجديد شباب الثورة من كل جوانبها وطنيا، وصيانتها من السقوط بسبب فشل الفصائل المتمذهبة الذي كان متوقعا منذ وقت طويل، في مواجهة روسيا وإيران ومرتزقتهما.
ربما كان أحد أعظم أخطاء المعارضة تعايشها مع غلبة الجانب العسكري على طابع الثورة السياسي. واليوم، وتحسبا لعدم ربط مصيرها بتراجع العمل العسكري، من الضروري أن توسع الثورة حراكها عبر انتهاج خط سياسي مرن وعقلاني، يتمسك بأهداف ثورة الحرية، استنادا إلى أوسع مشاركة شعبية داخلية في القرار، ويبني ساحة خارجية للثورة بقدرات سوريي المهاجر وعربها، تتصاعد أنشطتها بالقدر المطلوب لإبقاء شعلة الثورة وهّاجة، والإسهام في تعميق النهوض الوطني الملحوظ في الآونة الأخيرة، ردا على مؤتمر سوتشي الذي يجب أن يستفاد منه لتجديد شباب ثورة شعب سورية الوطنية الديمقراطية، وتزويدها بقيادةٍ ثوريةٍ، سيكون
ثمّة حاجة إلى مراجعةٍ تتم في اللحظة الحاسمة التي تمر الثورة بها، للبحث في احتواء تراجع الثورة العسكري سياسيا، وبلورة الخط الثوري/ الشعبي في مضامينه، الضروري لذلك الذي يجب أن يكون متجدّدا، ومبادرا في أساليبه، يتفاعل السوريون معه بالدعم لوقف التراجع. وفي النهاية الفشل الفصائلي، بعد أن صار واضحا أن سياسات مؤسسات المعارضة السياسية والعسكرية وأساليبها لا تكفي لوقفهما.
هل ستنجح المعارضة، الرسمية والمجتمعية، في احتواء تراجع الفصائل العسكرية سياسيا، باستثمار حال النهوض الوطني التي نعيشها لأول مرة منذ خمسة أعوام ، وتذكّرنا ببدايات الثورة وحراكها المجتمعي السلمي الهائل؟ وهل سيقبل السوريون بعد اليوم أيضا تضييع فرص ثمنها دماؤهم وضياع ثورتهم ووطنهم؟.