خيارات طهران لمواجهة "الحرب" الأميركية: أوروبا والداخل الإيراني

24 مايو 2018
لدى العسكر خطوط حمر يستخدمونها كذلك كقوة ردع(فرانس برس)
+ الخط -
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين إيران والغرب، والأمور تتجه نحو المزيد من التراشق والتصعيد بين واشنطن وطهران. وما إعلان الاستراتيجية الجديدة على لسان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلا جزء من معادلة الصراع الراهن، التي تحاول طهران مواجهتها بالسبل المتاحة، عبر تجهيز أرضية لخيارات قد تجعلها تصمد بوجه الحرب الأميركية الجديدة المتعددة الأشكال والمستويات ضدها، والتي تبدأ من لغة الشروط والتهديد، لتصل إلى فرض المزيد من العقوبات وطرح الإملاءات، وربما تذهب نحو مسار أكثر تصعيداً.

وعلى المستوى السياسي، دانت جميع الأطراف في إيران تصريحات بومبيو الأخيرة وصنفتها على أنها ضرب من الخيال والأوهام، فالوزير الجديد وضع شروطاً رأى أنّ تحقيقها قد يتيح جلوس الطرفين لطاولة حوار جديدة، وهو الأمر المرفوض إيرانياً، كونها شروطا لا تناسب قيادة هذا البلد وتعدّت العنوانين الصاروخي والإقليمي، لتصل إلى ملفات لها علاقة بالنظام في إيران وبملفات استراتيجية تقوم عليها السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية. واعتبر وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، في هذا السياق، أنّ تصريحات نظيره الأميركي "غير محسوبة ولا تستحق الردّ"، واصفاً سياسة الولايات المتحدة الحالية بـ"المأجورة"، كون الإدارة الأميركية "تعيش في أوهام الماضي وباتت رهينة جماعات الضغط"، بحسب وصفه.

وبدا من كلام ظريف الصادر على هامش اجتماع حكومي عقد أمس الأربعاء، وهو الذي كرّر مواقف غالبية المسؤولين السياسيين في إيران، أن طهران تحاول الاعتماد أولاً على السياسة الأميركية ذاتها وعلى رفض المجتمع الدولي لسلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته، كما تحاول صدّ الحرب الجديدة من خلال الحصول على إجماع نظري دولي يؤيّد استمرار اتفاقها، الذي قيّد نشاطها النووي في الحقيقة بما يبدد قلق الآخرين، ومن خلال رفع مستوى الانتقادات لترامب ومسؤوليه الباحثين عن شرارة جديدة لهذه المنطقة.

أمّا النغمة العسكرية، فجاءت بوتيرة أعلى. فصحيح أن طهران تحاول جاهدة الحفاظ على اتفاقها النووي، كونها بحاجة إليه سياسياً واقتصادياً بما يحقّق لها المكتسبات في الداخل والخارج، لكن لدى العسكر خطوطا حمرا يستخدمونها كذلك كقوة ردع، وهو ما يعدّ إحدى أدوات مواجهة التصعيد الأميركي الراهن والمقبل. وفي هذا الإطار، قال رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، في كلمة له أمام البرلمان أمس، إن لدى هذه القوات "الجهوزية الكاملة ولا تنتظر إذناً من أي طرف لتطوير قدراتها"، في إشارة لأحد شروط بومبيو المتعلّقة بوضع الملف الصاروخي الباليستي جانباً من قبل إيران، وتهديده باتخاذ خطوات صارمة في هذا الصدد. ويعوّل باقري، كما غيره من القادة العسكريين الإيرانيين، على أن هذا الملف يلقى إجماعاً داخلياً، كونه يخصّ الجانب الدفاعي في البلاد.



وأضاف باقري في كلمته أن "القوات المسلحة هي التي تدافع عن حدود إيران وعن شعبها وعن المصالح القومية، وستبقى تؤدي هذا الدور، كما استطاعت تطوير نفسها وساعدت الحلفاء في الإقليم"، مشيراً إلى أنّ "أميركا هي الطرف الذي ينكث بالعهود، مقابل أن إيران ملتزمة بما عليها من بنود في الاتفاق". وانتقد باقري سلوك الإدارة الأميركية بأفرادها الجدد "الذين يحاولون فرض إملاءاتهم وضغوطاتهم الاقتصادية والنفسية على إيران، وهم يعلمون أن ذلك لا يلقى ترحيباً، لا سياسياً ولا عسكرياً ولا شعبياً، في البلاد".

وتستند طهران في التجهيز لسبل المواجهة والصدّ، على عوامل الداخل كثيراً. وكما يعوّل ساستها الداعون للانفتاح والتقارب مع الآخرين، على انتقاد المجتمع الدولي لسلوك واشنطن، فإن الشارع جزء رئيس من هذه المعادلة، وهو الذي خاطبه بومبيو بشكل مباشر، فردّ ظريف عليه قائلاً إن "أميركا لا تستطيع التأثير على الإيرانيين الذين وضعتهم تحت العقوبات، وحظرت سفرهم إليها، ما منعهم من لقاء أفراد عائلاتهم، وعليها أن تعلم أن شعاراتها لا تلقى ترحيباً إيرانياً".

وفي هذا الإطار، اعتبر الصحافي والمحلل السياسي، صابر غل عنبري، أن إيران "تعوّل أولاً على أوراقها التي تمتلكها وتحملها بيدها لمواجهة التهديدات الراهنة"، وذكر أنّ طهران تعاملت مع تهديدات بومبيو الأخيرة "باستهزاء، فما طلبه هذا الأخير تعجيزي، وواضح أنه قد طرح شروطاً يعرف أن إيران سترفضها"، معتبراً أنّ "وراء كل هذه المطالب غايات عدة، ولكن أهمها محاولة تغيير النظام في إيران".

وأكّد غل عنبري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "أطرافاً أوروبية إلى جانب روسيا، فضلاً عن دول ثانية، أبدت امتعاضها مما طرحه بومبيو، فكيف يمكن لإيران أن تقبله؟ لذا فإن المعنيين أعدوا خطة لمواجهة أي طارئ، وهو ما دار الحديث عنه حتى قبل الانسحاب الأميركي من الاتفاق، والإجراءات في غالبيتها إجراءات اقتصادية من قبيل رفع الاحتياطي من العملة الصعبة لدى المصرف المركزي". ولم ينفِ غل عنبري "احتمال تأثّر إيران سلباً بتشديد العقوبات الاقتصادية، لكن طهران تحاول تحصين نفسها من الداخل كما فعلت في سنوات سابقة لمواجهة احتمال الحظر". ورأى غل عنبري أن إيران "لا تريد خيار الحرب ولا التصعيد، ولكن إن حصل ذلك، فستكون مضطرة للمواجهة، إلا أنها ومع ذلك تعوّل على المصالح المشتركة بينها وبين روسيا والصين وحتى الحلفاء الأوروبيين، وهو ما قد يكبح جماح ترامب وإدارته".

وتحاول إيران توظيف المساحة المشتركة بينها وبين أطراف الاتفاق الراغبة أيضاً في حصد مكتسباته الاقتصادية، علّها تخلق مساراً لمواجهة الولايات المتحدة، فالمصالح هي التي تحكم العلاقات الدولية. لكن ما يهدد هذا المسعى هو وجود مصالح مشتركة بين هذه الأطراف وأميركا نفسها، وعدد كبير من المسؤولين في الداخل على قناعة بأن الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، لن يصل لمرحلة الصدام مع واشنطن، رغم امتعاضه الشديد من خروجها من الاتفاق النووي، ومن محاولتها التفرّد بقيادة العالم.

وبحسب الصحافي الإيراني، سياوش فلاح بور، فإن إيران "ستتبع أسلوباً مقاوماً، وستستخدم كل الوسائل المتاحة، اقتصادياً وسياسياً وديبلوماسياً، لمواجهة واشنطن، على الرغم من أنّها لا تثق بكل الأطراف رغم هذه المساعي، وهي تعوّل حالياً على الاتحاد الأوروبي أكثر من غيره من الناحية الاقتصادية، علّه يحفظ الاتفاق النووي". ورجّح فلاح بور "ألا تدخل طهران في مفاوضات مع واشنطن"، قائلاً إنها "ستستخدم أدوات كثيرة للمواجهة، تعتمد على الظروف والتطورات".

وصحيح أنّ هناك تعويلاً على الأطراف الأوروبية، لكن إيران لا تثق بها جميعاً، في وقت يفرض عليها التعاون الإقليمي مع روسيا واقع أن يكون هذا البلد هو سبيلها للمساعدة. وبحسب فلاح بور، فمن المتوقّع حصول المزيد من التقارب بين هذين الطرفين بالذات لمواجهة القادم، ولا سيما أنّ الخلافات بين واشنطن وموسكو كثيرة ومتراكمة.

الجدير بالذكر أيضاً، أنه صحيح أنّ أوروبا معنية بحصد المكتسبات الاقتصادية من إيران، وهو ما يستلزم الإبقاء على الاتفاق حياً، وأن إيران تدرك هذه المعادلة، لكن الشريكين الروسي والصيني قد يكونان الأقرب لها في هذه المرحلة والأكثر ثقة. ويرتبط ذلك بالاقتصاد أيضاً، فروسيا تنظر خلسة للكعكة الإيرانية وللمشاريع التي تستطيع الحصول عليها بدلاً من أوروبا، وكذلك الصين التي بدأت تطرح مناقصاتها لأخذ مشاريع ضخمة خصوصاً في قطاع الطاقة، بعد انسحاب شركات أوروبية كبرى منها، وهذا بحدّ ذاته قد يؤمّن لإيران مكتسبات اقتصادية وسياسية للصمود بوجه أميركا، بحال لم تتخذ خياراً عسكرياً ضدها.