خيارات أهل الغوطة تضيق بين الموت والتهجير

14 مارس 2018
أهالي الغوطة مخيرون بين الموت تحت القصف أو التهجير(Getty)
+ الخط -

"لن أترك أبني وحيداً في قبره هنا، لقد جهّزت قبراً لي بجواره في حديقة منزلي المدمر بالغوطة الشرقية. من يرغب في الخروج فليخرج، ومن يريد الرحيل إلى الشمال فليرحل"، تقول أم قاسم، المرأة الستينية وهي تحضن حفيدتها في قبو قريب من بيتها.

وتضيف بمرارة لـ"العربي الجديد": "كل يوم نسمع روايات جديدة، تفيد بأننا أمام خيارين، إما الخروج لمناطق سيطرة النظام أو البقاء تحت القصف، وأخرى تقول إن أهل الغوطة سيهجرون إلى الشمال، لكن أنا أعلم شيئا واحدا هو أنني سأبقى هنا".

ولا تعتقد أم قاسم أن ما سيحدث أسوأ مما حدث بعد أن خسرت ابنها الوحيد، في وقت تؤمن بأنها ستموت في يوم ما ولن يطيل من عمرها الخروج من الغوطة. 

من جهتها، تنهمك الطفلة سارة (8 سنوات)، بجمع حاجيات عرائسها اللواتي لم يسلمن من الحرب والدمار، لكنها ما زالت متمسكة بهن، وتسأل والدتها كل يوم: متى نخرج من القبو؟ فهي تريد العودة إلى منزلها، فالازدحام في القبو لم يترك لها مساحة للعب، وتقول والدتها لـ"العربي الجديد": "أنا أريد فقط أن أعود إلى البيت، ورغيف خبز لأطعم بناتي، فلم نأكل منذ أمس".      

أما أبو رؤوف، وهو رب أسرة مكونة من 3 أطفال، بالإضافة إلى والدته، فلا يخفي توتره وارتباكه، وهو يتحدث لـ"العربي الجديد": "لا نختلف عن الأموات في شيء سوى أننا قادرون على التنفس. لأسابيع نعيش في القبور، وهي الأقبية التي نحتمي بها، لكن هناك من دفن بها دون طعام أو ماء أو دواء، فلا يمكن أن أقول عن بعض الحشائش أو سندويش اللبنة كل يومين إنه طعام، أو عن مياه الآبار الكلسية ذات الطعم الكريه إنها تصلح للبشر".

ويتابع "سؤال البقاء أو الخروج صعب، فلو كان الخيار لي لن يكون سوى البقاء في منزلي المدمر والموت به، لكن عندما أرى العالم كله ينظر إلى جوعنا وموتنا ومعاناتنا دون أي إحساس، وأسمع بكاء أطفالي من الجوع والخوف الذي يعيشونه يوميا، أفكر أن من حقهم علي أن أجد لهم طعاما يأكلونه ومكانا آمنا يلعبون به، لكن ليس لدى النظام".

من جانبه، يقول محمد، وهو شاب في عقده الثالث وناشط مدني، لـ"العربي الجديد": "لم أكن أتوقع أن نصل إلى هذا الواقع، أن يقتل الأطفال والنساء والشيوخ، دون أن يرف جفن العالم، وحتى مسألة البقاء أو التهجير، لم تعد خيارا لي وللناس البسطاء، فإن قضت اللعبة الدولية أن تسيطر روسيا على الغوطة، فستخرج الفصائل منها، وحينها لن يبقى لي إلا الخروج. أنا لا أثق أبدا بأن النظام سيتركنا".


ويتوقع المتحدث إن حدث التهجير "أن يغادر على الأقل نصف أهل الغوطة، فالناس بعد سبع سنوات من الثورة بعيدا عن النظام وقواته قد تبدو العودة للعيش تحت سيطرته مجازفة، خاصة أنه يجبر الشباب في المناطق التي فرض عليها المصالحة كما يسميها، على القتال ضمن قواته، وهناك مناطق منع أهلها من العودة إليها رغم مرور فترة طويلة على خروجهم منها، كمدينة داريا وغيرها من المناطق".