خوان رولفو: حديقة صاحب الكتابين

14 يناير 2016
(تصوير: ليلي بيريز)
+ الخط -

إن التقيتَ بهذا التمثال النصفي المصنوع من البرونز على هيأة رأس بشرية بين دفّتي كتاب، فهذا يعني أنك في مدينة مكسيكو. فالنُّصب يجسّد الروائي المكسيكي خوان رولفو (1986 – 1917)، وهذه الحديقةُ تحمل اسمَه أيضاً. على بعد أمتار قليلة، بإمكانك أن تلتقي به مجدّداً في "ساحة كومالا"؛ حيث تمثالٌ برونزي مكتمل يجسّد صاحب "بيدرو بارامو" جالساً على مقعد عمومي وهو يحمل كتاباً.

يحظى الكاتب الذي يُوصف بـ "الأب الروحي للواقعية السحرية" في الأدب الأميركولاتيني بتقدير بالغ في بلده. لكن وضع الحديقة لا يعكس ذلك تماماً؛ إذ لا تحظى بالعناية الكافية من السلطات المحلية في العاصمة المكسيكية. هكذا، يُمكنك أن تلاحظ نفايات متجمّعة غير بعيد عن النصب التذكاري، وأحياناً على منصّته.

يتغيّر هذا الوضعُ في السابع من كانون الثاني/ يناير من كلّ عام؛ حيثُ تُقام في المكسيك فعاليات مختلفة احتفاءً بكاتبها. ذكرى رحيله الثلاثون هذا العام لم تكُن مختلفةً كثيراً. وبالطبع، كانت مناسبةً لتذكّر "الحديقة المنسية"، كما يلقّبها المكسيكيون.

وُلد رولفو في مدينة سايولا التي سيتّخذها لاحقاً محوراً لأحداث قصصه ورواياته، ما يعكس مدى الأثر الذي تركته طفولته في كتابته؛ إذ فقد والديه صغيراً، فعاش يتيماً في كنف جدّته، ولاحقاً في دار أيتام، وشرع في كتابة القصص مُبكّراً وبنشرها في عدد من المجلات الأدبية، وخاض تجربة كتابة سيناريوهات بعض الأفلام، كما أُخرجت بعض أعماله سينمائياً.

قبل أن يتوقّف عن الكتابة بدعوى أنه لم يعد لديه ما يُقدّمه كمقتَرح سردي، كان رولفو قد ألّف ستّة أعمال أدبية، لكنه ظلّ مصرّاً على أنه لم يؤلّف سوى كتابين: مجموعة "السهل الملتهب" القصصية (1953) ورواية "بيدرو بارامو" (1955) التي استغرق وقتاً طويلاً في كتابتها.

نال رولفو بهذين العملين التقدير الكافي من كبار الكتّاب الأميركولاتينيين؛ من أمثال خورخي لويس بورخيس وغابرييل غارثيا ماركيز وماريو بينيديتي. ولا يزال العملان، إلى الآن، من أكثر الكتب مبيعاً وقراءة وترجمةً في العالَم. يبيّن الكتابان بشكل جلي أسلوب هذا المؤلّف الذي لفت أنظار العالم، مقدّماً درساً في أفضلية النوعية على الكمية في الإنتاج الأدبي.

في 2003، اعترف ماركيز بأن أَثَري رولفو كانا مرجعين أساسيين بالنسبة إليه في تطوير أدبه: "إن اكتشاف خوان رولفو- شأن اكتشاف فرانز كافكا- فصل جوهري دون شك من ذكرياتي (…) ولقد دلَّني الاستقصاء العميق لأثرَي رولفو على الطريق الذي كنت أبحث عنه كي أواصل تأليف كتبي (…) أريد أن أقول الآن، أيضاً، إني عدتُ إلى قراءته كاملاً كي أكتُبَ نصوص الحنين المقتضبة هذه، وإني صرتُ ضحيةً مجدّداً للاندهاش الذي عشتُه المرّةَ الأولى".

المساهمون