منذ انطلاقة بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم في نسختها الأولى عام 1970 في البحرين، حتى ما قبل بطولة كأس الخليج بنسختها الحالية الـ23 في الكويت، ظلّت هذه الفعالية الرياضية تجمع منتخبات الخليج واليمن والعراق وتعتبر علامة على الوحدة الخليجية المثيرة للإعجاب في زمن تتشرذم فيه الخرائط في الشرق الأوسط والعالم بأكمله. كما أنها ظلّت تعتبر متنفساً للجماهير الخليجية التي تجتمع كل سنتين للتحدي والمنافسة. حتى أنها في العرف الرياضي لدول الخليج، باتت أهم من كأس آسيا والبطولة العربية. لكن النسخة الحالية من هذه البطولة حملت على غير العادة أزمة حقيقية تمثّلت في محاولات الوفود الإعلامية التابعة للسعودية والإمارات إدخال السياسة في الرياضة ومحاولة جرّ الأزمة الخليجية، التي اندلعت بفعل قيام دول محور الرياض – أبوظبي بحصار دولة قطر ضمن سعيها الدؤوب لفرض الوصاية على سياساتها الداخلية والخارجية.
وبدأت محاولات دول الحصار بتخريب البطولة وتحميلها ما لا تحتمل سياسياً عبر تلويح رئيس هيئة الرياضة السعودي تركي آل شيخ بانسحاب المنتخب السعودي من البطولة بزعم مشاركة دولة قطر فيها، لكن وساطة كويتية بقيادة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم وبدعم من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي طلب من السعوديين المشاركة بالفريق الأول، أدت إلى موافقتهم مبدئياً قبل أن يفاجئوا الجميع بإرسالهم لمنتخب "رديف" يلعب أغلب لاعبيه في شوارع الرياض ولا ينتسبون لأي ناد محلي، وقد خرج بالفعل من الدور الأول.
وعاد الإعلاميون السعوديون والإماراتيون الذين جاؤوا للبطولة بهدف واحد وهو فرد العضلات والاستعراض السياسي رغم التحذيرات المتكررة من قبل اللجنة المنظمة للبطولة، لجميع الوفود بمحاولة تجنّب الحديث عن الأزمة الخليجية والابتعاد عما يعكّر صفو الاحتفالات، إذ رفض الوفدان السعودي والإماراتي المشاركة في المؤتمرات الصحافية بسبب وجود "ميكروفونات" القنوات القطرية، مما حدا باللجنة المنظمة إلى استبعاد ميكروفونات كل القنوات تجنباً للانسحاب الذي ظلّ السعوديون يهددون به قبل خروجهم من البطولة.
وعاد هؤلاء "الإعلاميون" ليمارسوا ألاعيبهم من جديد عبر ما قامت به قناة أبوظبي والتي عدّلت على شعار البطولة وحذفت اللون العنابي الذي يرمز للمنتخب القطري منه، كما أعلنت القناة عن إنتاج برنامج رياضي يتحدّث عن أن "أزمة قطر صغيرة جداً جداً جداً" وهو ما دفع وزارة الإعلام الكويتية إلى التهديد بطرد طاقم القناة بالكامل إذا تمّ تصوير البرنامج في الكويت وأثناء البطولة.
وكان لافتاً لجميع الصحافيين والإعلاميين أن المراسلين السعوديين الذين جاؤوا لتغطية أخبار البطولة "كما يفترض"، كانوا يفتعلون الأحاديث السياسية ضد قطر ويصفّقون لجميع المنتخبات التي تلعب ضد المنتخب القطري في المدرجات ملوحين بقبضاتهم تجاه الجمهور القطري ومحرّضين الجماهير من خلف الكواليس على الخروج في قنوات "العربية" و "أم بي سي" لشتم لاعبي قطر ووصفهم بالخونة.
وجاء إعلان الإعلاميين السعوديين عبد العزيز المريسل وسعود الصرامي تقديم مكافآت مالية للاعبي المنتخب البحريني حال الفوز أو التعادل مع قطر وحرمانها من التأهّل إلى الدور الثاني، ليوضح مدى استهتار الوفد السعودي خاصة بقيم البطولة والأهداف التي أنشئت من أجلها، وهي المحافظة على الرابطة الخليجية والوحدة بين أبناء هذه الدول.
وقال الصرامي في أحد البرامج التلفزيونية إنه سيقدّم مكافأة قدرها 30 ألف ريال سعودي للاعب البحريني الذي يسجّل هدف الفوز على المنتخب القطري وينقله إلى الدور الثاني، ولبقية اللاعبين مبلغ 2000 ريال لكل واحد منهم، ليقاطعه المريسل في لفتة مسرحية ويقول إن الصرامي لن يكون أكرم منه وإنه سيقدم 10 آلاف ريال لكل لاعب في حال فوز أو تعادل المنتخب البحريني وتعطيله تأهّل المنتخب القطري.
ولم يكتف الصحافيون السعوديون بالاستفزازات السياسية تجاه قطر في البطولة، بل إن محلل قناة الرياضية السعودية الرسمية فواز الشريف وجه سهام الشتائم تجاه الشعب الكويتي المستضيف لهذه البطولة، إذ قال إن "50 في المائة من الشعب الكويتي لديه غلّ تجاه السعودية، وإن نصف هؤلاء حقدهم على السعودية راجع إلى أنهم ينتمون لطوائف وأحزاب لا نعترف بها (في إشارة إلى الأقلية الشيعية في الكويت) والنصف الآخر هم من المرتزقة الذين يدفع لهم بالدولار والريال القطري".
وأدّت هذه التصريحات إلى حالة استنفار في الأوساط الإعلامية الكويتية، مطالبةً بطرد الشريف من الكويت أو معاقبته على الأقل لأنه وصف ربع الشعب الكويتي بالخائن وربعه الآخر بالمرتزق، لكن اللجنة المنظمة لم تحرّك ساكناً رغم أن الاستوديو الذي قيلت فيه هذه الكلمات المسيئة يبعد أمتارا عدة عن مقرها. وتحاول اللجنة المنظمة تجاهل المحاولات السياسية لزجّ الأزمة الخليجية داخل البطولة، حرصاً على إنجاحها، لكن الأمور بدأت بالتفاقم خصوصاً في الأيام الأخيرة منها.