تحتمي الحكومة الفرنسية خلف الفشل الذي شهده اجتماع القوى الكبرى في التوصل لاتفاق حول موقف معين من الأزمة الليبية. ورغم أن الرئيس إيمانويل ماكرون، وأعضاء في حكومته، كانوا قد سارعوا غير مرّة في السابق إلى إبداء مواقف واضحة وفورية حول قضايا دولية عديدة، فإن الموقف بخصوص ليبيا اليوم لا يزال مترددًا وانتظاريًا، فيما تصدر بعض مواقف شخصيات رسمية من دون معرفة أسمائها.
وهكذا فالموقف الرسمي الفرنسي من الأوضاع في ليبيا، خاصة بعد الهجوم العسكري المتواصل للجنرال المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس يثير الشكوك، خاصة وأن فرنسا تمتلك كثيرًا من أوراق الضغط على الطرفين المتصارعيْن، لا تريد أن تلعبها. وهي التي، وخلافًا للعديد من الدول الكبرى، استطاعت أن تجمع، في باريس، بين الجنرال خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، المعترف به دوليًا. وذهب الرئيس إيمانويل ماكرون إلى درجة التبشير باتفاق بين الرجلين وبموعد لانتخابات، سرعان ما تأجل أكثر من مرّة، بسبب تدخلات دول أخرى، من بينها إيطاليا الحريصة على مصالحها التاريخية في هذه المستعمرة السابقة، ودول عربية داعمة لحفتر، ومنها مصر والسعودية والإمارات.
وعلى الرغم من أن فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية والإمارات دعت، قبل أيام، إلى التخلي عن الخيارات العسكرية في الأزمة الليبية، فإن الأمر ليس كافيًا لوقف هذا الهجوم، ولإقناع خليفة حفتر بأن المسار الانتخابي ضروريٌّ لوضع حدّ للمرحلة الانتقالية، وهو الذي وافَق قبل أسابيع، فقط، وأمام شهود، وبحضور فايز السراج، في أبوظبي، تحت رعاية الأمم المتحدة، على تحديد تاريخ ومكان لـ"المؤتمر الليبي الجامع"، في غدامس، ما بين 14 و16 أبريل/نيسان الجاري.
وهذا الموقف الفرنسي المريب أثار حفيظة المسؤولين في طرابلس وعلى رأسهم فايز السراج، الذي استدعى سفيرة فرنسا في ليبيا، بياتريس لوفرابير دوهيلين، لسؤالها عن حقيقة الموقف الفرنسي. وهو ما جعل السفيرة تؤكد أن فرنسا لا علاقة لها بهجوم حفتر، بل وأنها مارست عليه ضغوطًا لثنيه عن مهاجمة طرابلس، وأنها ستواصل تمرير رسائل إليه.
كما طمأنت السفيرة الفرنسية رئيس الحكومة السراج بأنه لا يزال في وسط اللعبة السياسية، وأنه يجب الذهاب إلى نهاية المسار السياسي التي تم التفاوض عليه في أبوظبي.
ولكن فرنسا القادرة على لعب دور مهم وحاسم، لم تُخفِ أبداً توافُقها مع خليفة حفتر حول نقطتين أساسيتين، أولاهما مكافحة ما يسمّى "المجموعات الإرهابية"، التي لا تحديد ولا حصر دقيقين لها، وأيضًا مكافحة الهجرة السرية. على الرغم من تأكيدها العلني على ضرورة "تحقيق هدف الاستقرار السياسي، الضامن لكل شيء"، من خلال الحكومة الشرعية وكل الفاعلين الليبيين الآخَرين.
وضمن هؤلاء الفاعلين، يوجد خليفة حفتر، الذي تؤكد فرنسا على أنه يجب إدماجه في المعادلة السياسية، مع التشديد على أنه "لا يتمتع بأي شرعية سياسية أو دستورية".
تستطيع فرنسا، لو شاءت، أن تُمارس ضغوطها على حفتر للتراجع، على الأقل، وفاءً لالتزاماته السلمية على أراضيها وفي ضيافتها، أمام خصمه فايز السراج، وأيضًا لأن فرنسا أشرفت على علاجه حين أصيب بوعكة صحية، قبل سنة تقريبًا.
موقف فرنسا، الحالي، وهو يبدو أقلَّ قلَقاً من نظيره الإيطالي وحتى الأميركي، يطرح تساؤلات؛ فهل تنتظر فرنسا سقوط طرابلس في يد حفتر، كي تعبّر عن تضامنها مع نظام السراج الشرعي؟