خلط الدعوة بالسياسة

16 ديسمبر 2014
+ الخط -

بعد أن أعلنت أكثر من ثمانين مؤسسة في العالم منظماتٍ إرهابيةً، ومنها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وبعد أن طلبت السلطات المصرية من الشرطة الدولية (INTERPOL) توقيف الإمام يوسف القرضاوي، أقدم "شيخ الأزهر" أحمد الطيب يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2014، على إسقاط عضوية الشيخ والاتحاد الذي يترأسه من "المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة".
ويتبادر إلى الذهن أن إسقاط العضوية يكون لأسباب موضوعية ومعقولة، مثل مخالفة لائحة المجلس، أو مناقضة شروط العضوية، ونحو ذلك. ولكن، لم تكن الأسباب شيئا من ذلك! وإنما كانت لأن الشيخ القرضاوي يخلط بين الدعوة والسياسة، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كذلك، من أجل هذا قرر "شيخ الأزهر" أحمد الطيب أن يسقط عضوية الشيخ والاتحاد من مجلسه، وأن يخرجه من جنته.
وقد كان هذا بالطبع على أساس أن أحمد الطيب لم يكن عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، الذي أفسد البلاد وقتل العباد، ولم يجرؤ على أن يقدم استقالته، بعد تعيينه شيخا للأزهر، إلا بعد إذن المخلوع الذي ظل وفيًّا له، ولنظامه، إبان ثورة يناير، وبعدها حتى الآن. وإنه لم يُسلِّم طلاب الأزهر أيام كان رئيسا للجامعة لجنرالات أمن الدولة، فيما عرف بعدُ بقضية "ميليشيات الأزهر"، كما قال بنفسه في مؤتمر التقريب في الدوحة، وحوكم فيها قيادات للعمل الإسلامي في مصر. وكان مبنيًّا على أنه لم يطالب ثوار يناير بترك الميادين، والرجوع إلى بيوتهم، على الرغم من أنه وصف من سقطوا ضحايا بأنهم شهداء.
وكان كذلك انطلاقا من أنه لم يصدر بيانا قبل الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 يقرر فيه أن الخروج المسلح على الحاكم ليس كفرًا، وإنما هو معصية كبيرة فقط، يعني: يا أيها الناس اخرجوا على حاكمكم المنتخب فهذا ليس كفرا، وإنما هو معصية كبيرة، والله غفور رحيم، ويقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن كثير!
وكان أيضا انطلاقا من أن الشيخ لم يحضر مشهد الانقلاب الشهير في الثالث من يوليو/تموز 2013، المشهد الذي سيذكره التاريخ بالعار والشنار، وستتدارسه الأجيال على أنه سقطة في تاريخ الأزهر، وبيعٌ لتاريخه العريق في الجهاد ومقاومة الاحتلال، والصدح بكلمة الحق.
وكان كذلك على أساس أنه لم يستدل بنص من آية أو حديث في تبرير موقفه المكلل بالعار في مشهد الانقلاب، وإنما استدل بقاعدة فقهية: "ارتكاب أخف الضررين"، واعتسفها، وأنزلها في غير موضعها، ثم لم يرجع إلى الحق، إذا أحسنا به الظن، من بعد ما تبين له الحق، ومن بعد ما ظهر له بيقين أين أخف الضررين.
وكان على أساس أن شيخ الأزهر لم يتدخل في السياسة، والتزم الكلام الشرعي فقط والجوانب الدينية المحضة، فأصدر فتاواه وبياناته عبر مخبريه في مشيخة الأزهر بأن اغتصاب بنات الأزهر في عربات الشرطة حرام، وأصدر فتاواه بأن تجريف المدرعات وعربات الشرطة لجامعة الأزهر لا يجوز، وأن تحطيم الحياة التعليمية وتسليم الطلاب للأمن واعتقال الطالبات حرام حرام حرام!
أقول له: إذا كان خلط الدعوة بالسياسة لا يصح في نظرك، ويوجب إسقاط عضوية من يخلط الدعوة بالسياسة، فلماذا أفردت مشيخة الأزهر ردودا واسعة على الكاتب العلماني، الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، في أقواله بفصل الدين عن السياسة؟
سيبقى الشيخ القرضاوي مرفوع الهامة، عالي القامة، موفور الكرامة، شامخ التاريخ، عزيزا أبيًّا قويًّا، يستمد قوته من رسالته التي آمن بها، ومن مبادئها التي لم يتنكبها، ومن الحق الذي يحمله ويدافع عنه، ويدعو الله دائماً أن يلقاه شهيدا عليه، ولن يزيده حصاركم له إلا انتشارا، ولن تفت سياساتكم البائسة في عضده، فهو يزداد تألقا وحضورا وقوة وعزة، وأنتم تزدادون صغارًا ووضاعة.

FB60D549-0DD4-495D-92DF-375BFFE48969
FB60D549-0DD4-495D-92DF-375BFFE48969
وصفي عاشور أبو زيد (مصر)
وصفي عاشور أبو زيد (مصر)