خلاوي السودان: جوع وسخرة وقرآن

24 فبراير 2016
يجب أن تتدخل الدولة لتنظيم هذا النوع من التعليم((Getty)
+ الخط -
نشر ناشطون سودانيون على شبكات التواصل الاجتماعي صورا لطلاب صغار في السن مقيدين بالسلاسل الحديدية في إحدى خلاوي –كتاتيب – تحفيظ القرآن الكريم في ضاحية غربي مدينة أم درمان. 

ترسل الأسرة السودانية الفقيرة أبناءها إلى الخلاوي – الكتاتيب- لمحو الأمية وحفظ القرآن الكريم إن عجزت عن إرسالهم إلى المدارس، بينما تصبح الخلوة القرآنية هي المصدر الوحيد للتعليم في بعض أنحاء السودان التي لا تتوفر فيها حتى المدارس الابتدائية.

تأريخيا قدمت هذه المؤسسة التعليمية التقليدية خدمات جليلة في نشر التعليم ومحو الأمية الأبجدية، بجانب دورها الكبير في الانصهار القومي، حيث يتوافد الطلاب إلى الخلوة من مختلف أنحاء السودان ومن كافة القبائل لحفظ القرآن الكريم.

اقرأ أيضا:حفظ القرآن ليس إجبارياً

اليوم الدراسي بالخلوة
يقول محمد عبدالله أحد خريجي الخلاوي السودانية لـ "العربي الجديد": "يبدأ اليوم الدراسي في الخلوة من قبل صلاة الفجر بساعة أو ساعتين، وتسمى تلك الساعة بـ(الدغشية) وهي فترة مخصصة للحفظ لصفاء الذهن وقتها واعتدال الهواء ثم تبدأ الحصة الثانية بعد صلاة الفجر وهي فترة لراحة يسيرة ثم تعقبها (الضحوية) وهي مخصصة لكتابة مقرر الحفظ اليومي وهو يعادل ثمن جزء من القرآن الكريم.

ويكتب الطلاب المقرر اليومي على لوح من الخشب بنوع من الحبر يصنع في الخلوة يسمى (العمار) ثم تأتي حصة (الضهرية) بعد صلاة الظهر وهي لتصحيح القراءة ثم القيلولة ثم تأتي (العصرية) وهي مخصوصة للحفظ ومراجعة المحفوظ وبعد المغرب تبدأ حصة التسميع وبعد صلاة العشاء تأتي حصة (العشاوية أو السُبع) وهي تكون في فناء الخلوة ويتحرك الطلاب في حلقة دائرية وهم حفاة الأقدام والهدف منها مراجعة الأجزاء التي حفظها الطلاب من قبل، ثم النوم مبكراً". مع الإقرار بأهمية هذه الأدوار إلا أن هذا النمط التعليمي تكتنفه عدة مشكلات خطيرة، دعا النشطاء إلى مراجعتها.

إفراط في العقاب
يعاني أطفال الخلاوى من الإفراط في العقاب، حيث يعاقب الطالب على التأخر في الاستيقاظ في الساعة الثانية أو الثالثة فجرا ويجلد بالسوط على ضعفه في حفظ الجزء المقرر يوميا، ويعاقب إن أخذه الحنين إلى طفولته فلعب لعبا بريئا مع رفاقه، ويقيد بالسلاسل الحديدية إن حاول الهروب والعودة إلى عائلته قبل إكمال حفظ القرآن الكريم.

يحكي حسام بله – وهو طبيب سوداني- لـ "العربي الجديد": "كنت الأسبوع الماضي في زيارة إلى إحدى خلاوي القرآن الكريم في منطقة أم درمان وكانت تحتوي على داخلية للطلاب ومكتظة بالدارسين. كنت حزينا جدا لحال الطلبة فأغلبهم إن لم يكن جلهم قد تركوا المدرسة أو لم يدخلوها من الأساس واتجهوا برغبة أهلهم لهذه الخلاوي، تعتصرهم الحاجة والمؤنة، وتناولت حديثا مع بعضهم عن مستقبلهم فكانت الصدمة أنهم يتوقعون أن لهم مستقبلا زاهرا وأن يصبحوا أطباء ومهندسين عن طريق الخلوة"!

يستدرك حسام: " التعليم الديني وتحفيظ القرآن إن لم يكن مصحوبا بالتعليم المدرسي إجبارا فهو جريمة تستوجب العقاب والمساءلة، هؤلاء الفتية بعد سنين سوف ينسون ما حفظوه ويتوهون في مدارك الحياة من غير تعليم أو مؤهل وسوف تزداد حسرة البلاد بآلاف الشباب العاطل الفاقد المؤهلات".

ينبه فضل الله: "إن الخلاوي حتى الآن لا تكفي لتأهيلهم حتى إلى المهن المتصلة بالعلوم الدينية وذلك لأن الخلاوي ليس بها منهج تكويني مصاحب لحفظ القرآن، الذين طوروا أنفسهم من خريجي الخلوة هم فقط الذين التحقوا بالمعاهد الدينية المتوسطة والثانوية وبعدها الجامعة، أما الذين أكتفوا بالخلوة فأصبحوا ضحايا بريئين إلا من رحمة الله".

تشغيل الأطفال 
يضيف الناشط: "محمد إبراهيم اللندوك"، مشكلات أخرى مثل تشغيل الأطفال وإجبارهم على التسول، يقول: " في أحد أحياء قرية العزازة، جمع أحدهم عددا من الأطفال من مناطق بعيدة بحجة تعليمهم القرآن ولكن في حقيقة الأمر وضعهم في "سخرة" حيث يجبرهم على العمل في الحواشات – المزارع – بينما يستأثر وحده بالعائد المادي، وفي ظل هذه الظروف القاسية ألقى أحد الأطفال بنفسه تحت عجلات القطار فانتهى إلى أشلاء مبعثرة".

في المقابل، ينبه اللندوك إلى أن هناك خلاوي أخرى تهتم بالجمع بين تحفيظ القرآن والتعليم الحديث مثل "خلوة الشيخ طه الأبيض حيث كان الشيخ المكاشفي يدرس أبناءه القرآن وبعد الحفظ يلحقهم بالمدارس ثم الجامعات فتخرجوا وعملوا أساتذة بالجامعات السودانية".

تحذير من التحرش
حذر ناشطون أخرون من انتشار ظاهرة التحرش بالأطفال في هذه الخلاوي أيضا، ويستندون في ذلك إلى عدد من الحوادث التي فصل في بعضها القضاء، ويستشهدون بالحكم الصادر من محكمة جنايات الخرطوم بحري القاضي بسجن أحد شيوخ الخلاوي بتهمة التحرش بالأطفال. وكان عدد من الأطفال يدرسون القرآن على يد المتهم في مسيد – خلوة قرآنية- بمدينة بحري شهدوا أمام المحكمة أن المتهم تحرش بهم حيث حكمت عليه المحكمة، وأُلقي القبض على المتهم لقضاء المدة المقررة.

يقول الطبيب السوداني حسام بله: هناك مشكلات أخرى، مشكلات صحية كبيرة مثل سوء التغذية والأمراض الجلدية بسبب الازدحام وقلة الاهتمام بالنظافة الشخصية للأطفال الذين يعيشون بعيدا عن أمهاتهم في سن صغيرة فلا يستطيعون وحدهم الاهتمام بنظافة الأجساد والملابس".

تعليقا على هذه الظواهر السالبة، يقول الخبير في العمل الاجتماعي طارق محيي الدين مدير جمعية قطر الخيرية بإقليم دارفور: هذه المشكلات حدثت لعدة أسباب، فمثلا الظواهرالأخلاقية السالبة تعود إلى نظام القبول بالخلوة فنظامها يقبل فيه كل الأعمار، تجد فيها الغلام ابن الخمس والصبي ابن العاشرة والشاب ابن العشرين وهؤلاء جميعا يعيشون في مكان واحد، ومن الأسباب أن الشيوخ القائمين على أمر الخلاوي غير مؤهلين تربويا ومهنيا للقيام بأدوار التعليم والإشراف لمثل هذه الأعمار الصغيرة، ومنها أن بعض هؤلاء الشيوخ يتخذون من هذه الخلاوي مصدرا لإدرار الدخل من خلال الصدقات والهبات التي تأتي للخلوة أو من خلال تشغيل الأطفال في أعمال الزراعة القاسية".

ودعا محيي الدين الدولة للتدخل وتنظيم هذا النوع من التعليم بحيث تصبح الخلوة وحدة تعليمية متكاملة وتحت إشراف أساتذة مجازين من وزارة التعليم وأن تعمل وفق خطة تعليمية معلومة النهايات للأسر على أن تكون جزءا من الخطة الوطنية للتنمية في البلاد.

اقرأ أيضا:ماذا رأى زين داخل خلاوي السودان؟


المساهمون