يسوّق بعض مسؤولي حزب "الاتحاد المسيحي" الألماني لترشيح رئيس وزراء ولاية بافاريا، المنتمي لما يعرف بـ"الشقيق الأصغر" الحزب "الاجتماعي المسيحي"، ماركوس سودر، لمنصب المستشار الألماني خلفاً لأنجيلا ميركل، منطلقين في ذلك من حضور سودر الذي بات يكتسب زخماً على مساحة البلاد، بعدما برهن عن حسّ بالمسؤولية في إدارة مواجهة أزمة وباء كورونا. وعلى الرغم من تأكيد الأخير أنه سيبقى في منصبه كرئيس للوزراء في بافاريا، وأهمية الأخذ برغبة الناس في هذا الإطار، إلا أنّ كثيرين في صفوف "الشقيق الأكبر"، حزب ميركل "المسيحي الديمقراطي" الذين يستعدون لانتخاب زعيم جديد في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لا يريدون تصديق ذلك، وهمّهم وصول شخصية من حزبهم إلى المستشارية بعد إجراء الانتخابات التشريعية المقررة في خريف 2021 ونهاية ولاية ميركل الحالية. ويظهر هذا الحراك أنّ "الاتحاد المسيحي" سيواجه صيفاً مضطرباً بفعل التخبط حول هوية مرشّحه لخلافة ميركل.
التباين داخل "الاتحاد المسيحي" ظهر إلى العلن بعدما جاهر العديد من مسؤولي "المسيحي الديمقراطي" بمواقفهم المؤيدة لوصول سودر إلى مقر المستشارية. فرئيس جمعية الحزب في ولاية برلين، كاي فغنر، قال لصحيفة "تاغس شبيغل"، إنّ كلاً من سودر ووزير الصحة الاتحادي ينس شبان، رجلان أثبتا حضورهما في الأزمة الوبائية الأخيرة، ويؤيد وصول الأول إلى المستشارية وانتخاب الثاني زعيماً لحزبه.
بعض سياسيي حزب ميركل يروجون لوزير الصحة ينس شبان
وفي ردّ على سؤال لصحيفة "راينشه بوست" عما إذا كان سودر حقاً مكانه في بافاريا، أجاب رئيس وزراء ولاية ساكسونيا من "المسيحي الديمقراطي"، ميشائيل كريتشمر: "لا أعتقد ذلك". أما كارستن لينمان نائب رئيس كتلة "الاتحاد المسيحي" في البوندستاغ، فطالب "الاجتماعي المسيحي" بتوضيح ما إذا كان يريد تقديم زعيمه سودر لمنصب المستشار. مع العلم أنّ ميركل اكتفت خلال زيارتها أخيراً لولاية بفاريا بوصفه بأنه "رئيس وزراء جيد". وفي الإطار نفسه، أبرز موقع "بايريشه 24" أنّ بعض سياسيي حزب ميركل يروجون لينس شبان الذي يدعم أساساً رئيس وزراء ولاية شمال الراين ووستفاليا أرمين لاشيت كزعيم جديد للحزب، وناشدوا المرشحين الثلاثة: لاشيت ورئيس كتلة الاتحاد المسيحي السابق فريدرش ميرز، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني نوربرت روتغن، التنازل عن ترشيحاتهم لفائدته.
من جهته، قال رئيس كتلة "المسيحي الديمقراطي" في ولاية هامبورغ، دينيس تيرينغ، إنّ زعيم الحزب الجديد ليس بالضرورة أن يكون المرشح لمنصب مستشار، مضيفاً في حديث لوكالة الأنباء الألمانية: "أنا شخصياً أستطيع أن أتخيّل سودر مستشاراً"، ملمحاً إلى أنّ المرشح لزعامة حزبه أرمين لاشيت، والذي يمكن تزكيته في ما بعد لمنصب مستشار، "اتخذ بعض القرارات المؤسفة" كرئيس وزراء لحكومة ولاية شمال الراين ووستفاليا.
وتلقى فكرة ترشّح سودر رفضاً من قبل هربرت ريول، وزير داخلية ولاية شمال الراين ووستفاليا، أكثر الولايات كثافة سكانية، الذي اعتبر في تصريحات سابقة أنه لا يملك خريطة سياسية واضحة. وهنا، أبرز موقع "تي أون لاين" أنّ أعضاء "المسيحي الديمقراطي" الطموحين والمتخلّفين عن الركب في أهم منصب في الدولة، أصبحوا متوترين للغاية لدرجة أنهم باتوا يختلقون بطريقة أو بأخرى مواضيع لعرقلة مسيرة الرجل، وهمهم أن يمضي أحد مرشحي حزبهم الثلاثة في خياراته ليخلف ميركل، وأبرزهم لاشيت، الذي طرحت الكثير من التساؤلات حول تعاطيه مع إجراءات كورونا والتي لم تلق استحساناً لدى الرأي العام.
بدوره، قال الصحافي تيم كومرت إنّ شعبية سودر الكبيرة تكشف أنّ "المسيحي الديمقراطي" يفتقر إلى أفراد جيدين للقيادة، ممتدحاً خصال الرجل. وفي السياق، أشار موقع "شبيغل أونلاين" إلى أنّ سياسيَيْ "الاتحاد المسيحي": ميركل وسودر، يعلمان أنّ "الحكم يعني اتباع مزاج الناس"، مشيراً إلى أنه قبل أزمة كورونا "كان سودر زعيماً إقليمياً، ومنذ ذلك الحين بات الوصي الحازم إلى جانب ميركل بخصوص الإغلاق للحدّ من تفشي كورونا". وأظهرت استطلاعات للرأي أنّ سودر يحظى بأكبر تأييد لتولي المنصب من بين المرشحين، من دون استبعاد أن تمضي ميركل بهذا الخيار أيضاً، وذلك قبل حوالي 14 شهراً من الانتخابات البرلمانية العامة في خريف العام المقبل.
أظهرت استطلاعات للرأي أن سودر يحظى بأكبر تأييد لتولي المنصب
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي شتيفان أندرياس كاسدورف، في حديث لصحيفة "تاغس شبيغل"، أنّه من "الأفضل أن تنتظر الأحزاب التقليدية حتى مارس/ آذار المقبل للإعلان عن مرشحيها، إلى أن يكون قد اتضح الوضع على الصعيدين السياسي والاجتماعي وداخل الأحزاب، وبعدها يصار إلى إعادة تقييم الأمور، لأنّ تطور وباء كورونا يتحدى المسؤولين ويتطلب تقييماً يومياً".
إلى ذلك، أشار موقع "أن فرانكن" إلى أنّ هناك أسبابا عدة تدفع ليكون سودر مرشحاً لمنصب المستشار، من بينها أنّ غالبية استطلاعات الرأي تشير إلى تأييد ترشيحه، وآخرها استطلاع لصالح القناة الثانية الألمانية، في نهاية يوليو/ تموز الماضي، أظهر أنّ 64 في المائة يرون سودر المرشح المناسب، ويليه وزير المالية الاتحادي الاشتراكي أولاف شولز. السبب الآخر هو الدعم القوي الذي يلقاه شخص سودر بين أعضاء "الاتحاد المسيحي"، ومن بين هؤلاء رؤساء حكومات ولايات، فضلاً عن تمكنه من تغيير صورته بشكل ملحوظ خارج بافاريا، وموقفه المساعد في قضايا البيئة واستعداده للعمل مع حزب "الخضر"، وذلك بعدما كان قد أثار الجدل قبل عامين عقب إثارته نقاشاً حول وجود الصلبان في المؤسسات العامة، إلى جانب تصريحاته عما سمّاها سياحة اللجوء. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ سودر أظهر كفاءة في إدارة الأزمات. وفي تطور بارز أمس الإثنين، رشحت هيئة الرئاسة في الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، الشريك في الائتلاف الحاكم بقيادة ميركل، أولف شولز لمنصب المستشار.
من جهته، كان سودر قد أجج الصراع بشأن إمكانية ترشحه بعد قوله في حديث مع صحيفة "تاغس شبيغل"، في وقت سابق، إنّه "فقط أولئك الذين يتقنون التعامل مع الأزمات، والذين يمكنهم القيام بالواجب وبعملهم السياسي، يمكن لهم التألق خارج حدود الولاية". كذلك، فإنّ المرشحين المفترضين إلى المنصب، أضعف من سودر. كل ذلك، وسط السيناريوهات التي تتحدث عن إمكانية التوافق على المناصب.