خلافات حول مستقبل المناطق القبلية الباكستانية: ابحثوا عن الجيش

05 يناير 2018
بدأت الاحتجاجات القبلية في وقتٍ سابق (عامر قريشي/فرانس برس)
+ الخط -
لطالما عانت المناطق القبلية الباكستانية في كل القطاعات، قبل توجه الجماعات المسلحة إليها حتى. وكان السبب الأبرز خلف ذلك هو الحالة السياسية السائدة في ظلّ خضوع المناطق للحكومة الفدرالية، ولقانون الجرائم الخاص بالمناطق القبلية، ومن سماته حرمان القبائل من الكثير من حقوقها، فأطلقت عليه اسم "القانون الأسود الذي ورثته باكستان من الاستعمار البريطاني". الحالة السياسية من جهة والقانون المطبق من جهة ثانية أجبر القبائل على التمسك بالزعامة القبلية التي كانت بمثابة الحاكم، وكانت قراراتها مطبّقة. الجميع خاضع للإجماع القبلي، مع تحوّل وجود مندوب الحكومة إلى وجود شكلي. والنظام القبلي، رغم الثغرات فيه، قادر على جمع شتات القبائل.

في عام 2001، غزت القوات الأميركية والدولية أفغانستان، للقضاء على حكومة طالبان، التي ضمّت آلاف المقاتلين الأجانب في صفوفها، الذين لجأوا لاحقاً إلى المناطق القبلية في باكستان، تحت وطأة القصف الأميركي العنيف، وحصلت مصاهرة بين القبائل المختلطة، على مرّ السنين. وفي هذه الأجواء نشأت حركة "طالبان باكستان" بقيادة بيت الله محسود، المنتمي إلى قبيلة محسود، إحدى أبرز القبائل. لم تكتفِ الحركة بإيواء الأجانب بل أصبحت حاضنة لجميع التيارات المسلحة ولتكون منطقة القبائل مقراً لها جميعها.

في هذا السياق، قضت التيارات المسلحة، وفي مقدمتها طالبان، على النظام الفدرالي هناك بعدما خاضت معارك طاحنة ضد القوات الباكستانية. حينها وقفت القبائل بجانبها، كعادتها في الوقوف مع كل جماعة ذات عقيدة دينية، دون الإدراك بأن الجماعات المسلحة ستنقلب عليهم وهذا ما حصل فعلاً. بعدها عمدت الجماعات المسلحة إلى القضاء على النظام القبلي، فقُتل مئات من شيوخ وزعماء القبائل وشُرّد مئات آخرون، فظلّت المناطق الاستراتيجية المهمة على مستوى المنطقة، كلها خاضعة لسيطرة المسلحين.

وظلّت منطقة القبائل تحت إمرة طالبان حتى أطلقت القوات المسلحة الباكستانية عمليات عسكرية واسعة النطاق في يونيو/حزيران من عام 2014، لا تزال متواصلة في بعض المناطق، بعد القضاء على معظم العناصر المسلّحة هناك، التي توجّه بعضها إلى أفغانستان. وبعد سيطرة الجيش على مجمل المناطق القبلية، هدأت الأوضاع فيها نسبياً، وبدأ النازحون بالعودة إلى تلك المناطق للعيش تحت حكم الجيش بعدما فرض قوانين جديدة، تحديداً المتعلقة ببناء المنازل والسكن. الأمر الذي أثار استياء القبائل التي اختار بعضها البقاء في المخيمات أو أفغانستان، بدلاً من العودة إلى المناطق القبلية والعيش تحت إجراءات صعبة. وأشار في هذا الصدد، الزعيم القبلي جبران خان، إلى أن "العيش في المناطق المحررة من يد المسلحين صعب للغاية مع تدمير المنازل والأسواق والمدارس كلها، لا سيما في مقاطعتي وزيرستان الشمالية والجنوبية".



ومع انشغال الجيش الباكستاني بتنفيذ استراتيجيته على المناطق القبلية وعلى الحدود المشتركة مع أفغانستان بدأت الساحة السياسية بمناقشة مستقبل هذه المناطق، وتضاربت الآراء بشأنها. إذ إن ثمة من رأى الإبقاء على حالها، لكن الأغلبية اعتبرت أن عليها التغيير والخضوع لدستور البلاد. والقبائل طرحت أن تكون مناطقها بمثابة إقليم سادس من أقاليم باكستان، بدلاً من الانضمام إلى أي إقليم، في حين طرحت معظم الأحزاب السياسية انضمام المناطق القبلية إلى إقليم خيبربختونخوا، ومنها حزب الرابطة الإسلامية الحاكم وحزب حركة الإنصاف بزعامة عمران خان الحاكم في إقليم خيبربختونخوا، وحزب الشعب الباكستاني بقيادة الرئيس السابق آصف علي زرداي، والجماعة الإسلامية.

وعلى الرغم من أن حزب الرابطة الإسلامية الحاكم كان أول من دعا إلى انضمام القبائل إلى إقليم خيبربختونخوا، إلا أنه تباطأ في تقديم القرار إلى البرلمان رغم دعوة الأحزاب السياسية إليها مرة بعد أخرى، واحتجاجها المتواصل، إذ إن أعضاء البرلمان المنتمين إليها خرجوا من اجتماع البرلمان احتجاجاً على تسويف الحكومة في تقديم قرار انضمام القبائل إلى الإقليم.

في هذا السياق، قال زعيم المعارضة في البرلمان، خورشيد شاه، وهو قيادي في حزب الشعب "لا نعرف لحد الآن ما السر وما هو السبب من وراء تباطؤ الحكومة في تقديم قرار إلى البرلمان، وإننا لن نقبل أي مساومة بهذا الشأن لأننا وعدنا القبائل بتغيير حالتهم المعيشية وهذا لا يمكن إلا بعد الانضمام إلى الإقليم".

ورأى البعض أن "سبب تباطؤ الحكومة قد يعود إلى أن زعيم جمعية علماء الإسلام، المولوي فضل الرحمن، معارض لهذه الخطوة، والحكومة تعمل على إقناعه، علماً أن جمعية علماء الإسلام اعتبرت أن الحلّ الأمثل هو أن تكون القبائل إقليماً جديداً بدلاً من الانضمام إلى إقليم آخر. وبهذا تماشت الجمعية مع طموحات القبائل لأن معظم أعضاء البرلمان المنتمين إليها، من هذه المناطق، كما تسعى لتقوية نفوذها هناك".

لكن البعض الآخر رأى أن "الأمر هو تفسير ضعيف، إذ إن للحكومة غالبية برلمانية وليست في حاجة إلى ثلاثة أو أربعة برلمانيين. لذا يبدو أن الجيش يخالف القرار وقد أبلغ هو الحكومة بذلك. وهو السبب الأساسي من وراء تباطؤ الحكومة. وتعود معارضته إلى أن له استراتيجية طويلة المدى إزاء مناطق القبائل، وهذه يمكن تنفيذها إذا بقيت هي على ما هي عليه".

وأيد العديد من الأحزاب والقوميين ذلك، ومنها الحركة القومية لعامة البشتون، بقيادة محمود خان أجكزاي، الداعي لأن "تُترك القبائل على حالها ودعوتها لتحديد مستقبلها، بدلاً من فرض أي خيار آخر عليها". وتسبب ذلك في اتهام البعض له بالولاء لأفغانستان، ومنهم زعيم المعارضة في البرلمان خورشيد شاه، الذي قال إن "البعض يعملون وفق طموحات أفغانستان فيما يتعلق بقضية المناطق القبلية"، مشيراً بذلك إلى محمود خان أجكزاي.