خلافات بغداد وأربيل: ضغوط لتفعيل شكوى تهريب النفط لإسرائيل

22 يوليو 2020
تملك بغداد نظرياً السلطة على الثروات الطبيعية (Getty)
+ الخط -

بالتزامن مع إعلان إقليم كردستان العراق قرب إطلاق جولة مباحثات جديدة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، كشف مسؤولٌ عراقي بارز، لـ"العربي الجديد"، عن شكوى لدى المحكمة الاتحادية، كانت رفعتها حكومة عادل عبد المهدي، وتتعلق بالخلاف النفطي مع أربيل. وتتضمن الشكوى، طلب التحقيق بقضية وصول النفط العراقي المُصدّر من حقول الإقليم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولفت المصدر إلى أن حسابات سياسية كانت جمّدت الشكوى، التي لم يتم التعامل معها أو تفعيلها، لكن قوى سياسية تتجه لإعادة إحيائها مجدداً. وكانت جولات سابقة من الحوار بين بغداد وأربيل، والتي باءت بالفشل، قد ركزت على ملفات النفط والموازنة المالية ورواتب موظفي الإقليم والمناطق المتنازع عليها، بحسب ما أعلن المتحدث باسم حكومة الإقليم جوتيار عادل، الأسبوع الماضي.
وفي مطلع إبريل/نيسان 2018، كشفت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، عن أن السفن التي تنقل النفط العراقي المهرب من إقليم كردستان من حقل "بابا كركر"، ويتجه إلى إسرائيل، تتخذ مسارات متعرجة لضمان عدم إثارة انتباه الحكومة المركزية في بغداد. وبحسب تحقيق نشرته الصحيفة آنذاك، فإن النفط الذي يتم تهريبه من الإقليم يتجه إلى ميناء جيهان التركي، وترسو الناقلات خارج المياه الإقليمية التي تسيطر عليها سلطة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتم إفراغ حمولتها في سفن أخرى. وبحسب الصحيفة، فإن النفط العراقي الذي يهرب إلى إسرائيل، يتم تكريره في المنشآت الواقعة في ميناء حيفا، منوهة إلى أن حركة نقل النفط العراقي لإسرائيل متواصلة من دون انقطاع.

جمدت الشكوى بسبب توافقات سياسية توصلت إليها حكومة عبد المهدي مع أربيل خلال مفاوضات موازنة 2019

ووفقاً لمسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإن الشكوى المقدمة إلى المحكمة الاتحادية العليا، باعتبارها الجهة المكلفة البت بالنزاعات الدستورية والفصل في الصلاحيات، تناولت موضوع تصدير النفط من حقول الإقليم خلال السنوات الماضية، ووجوب خضوع حكومة أربيل للدستور، في ما يتعلق بسلطة الدولة الاتحادية على النفط والموارد الطبيعية والتعاملات الخارجية بشكل إجمالي، وإلزام الإقليم الكشف عن مصير عائدات النفط، فضلاً عن توضيح مسألة وصول النفط الى إسرائيل.
ولفت المصدر إلى أن الشكوى التي قدمت خلال فترة حكومة عبد المهدي من قبل وزارة النفط، جُمّدت بعد فترة وجيزة، بسبب توافقات سياسية توصلت إليها هذه الحكومة مع أربيل خلال مفاوضات موازنة عام 2019، وتحديد نسبة الإقليم من الموازنة بنحو 13 في المائة من موازنة العراق الإجمالية. وتزامن ذلك مع قبول بغداد بدفع رواتب قوات البشمركة وموظفي الإقليم، لقاء تسليم أربيل يومياً 250 ألف برميل نفط لشركة "سومو" القابضة العراقية لتصديره، وهو اتفاق تنصلت منه أربيل في ما بعد. غير أن ملف تصدير النفط ووصوله إلى دولة الاحتلال ما زال متداولاً، من دون حلّ، وتدفع جهات في تحالف "الفتح" لإعادة إحيائه في غمرة الخلافات الحالية مع الحكومة، وقد يكون الهدف منه إحراج حكومة مصطفى الكاظمي، الذي يسعى إلى التوصل لتفاهمات مع القيادات الكردية حيال المشاكل العالقة. وسيشكل أي اتفاق للحكومة مع الإقليم، بطبيعة الحال، دعماً للكاظمي في مهمته.

بدوره، أكد عضو البرلمان العراقي، كاطع الركابي، وجود الشكوى، مشيراً إلى أن وزارة النفط في حكومة عبد المهدي هي الجهة التي رفعتها، وتتناول ملف النفط الخارج من حقول الإقليم، والأسباب الكامنة وراء وصوله لدولة الاحتلال، وكيفيتها. ونفى الركابي علمه بسبب توقف الشكوى لدى القضاء، من دون تفعيلها. وأوضح البرلماني العراقي في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "خلال عهد حكومة عادل عبد المهدي، قدمت وزارة النفط شكوى لدى المحكمة الاتحادية، بشأن تصدير النفط العراقي من الإقليم من دون علم الحكومة في بغداد، وورود معلومات عن وصول هذا النفط إلى الكيان الصهيوني، لكن الشكوى لم تفعل حتى الساعة، من دون معرفة الغاية من وراء صمت المحكمة الاتحادية عليها". وأكد المصدر "عزم البرلمان على التحرك باتجاه الحكومة خلال الفترة المقبلة، من أجل إعادة تفعيل الدعوى، والدفع إلى تشكيل لجانٍ لمعرفة دقة المعلومات المرتبطة بوصول النفط العراقي من الإقليم إلى إسرائيل".
من جهته، لفت عضو لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي، محمود الزجراوي، إلى أن إقليم كردستان يرفض حتى الآن الكشف عن كميات النفط التي يصدرها، والجهات المستفيدة منها"، مؤكداً استمرار وصول هذا النفط إلى إسرائيل. واعتبر الزجراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التوافقات السياسية والمجاملات هي التي تقف وراء المماطلة في عدم تشكيل لجان تحقيق تمنع استمرار هذه الظاهرة"، مؤكداً أن لجنته ستعمل على تشكيل لجان تحقيق برلمانية مشتركة مع الحكومة، لحسم قضية النفط المصدر من إقليم كردستان.

لا يزال إقليم كردستان يرفض حتى الآن الكشف عن كميات النفط التي يصدرها، والجهات المستفيدة منها

ونفى القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بإقليم كردستان العراق، عماد باجلان، وصول النفط من الإقليم إلى دولة الاحتلال، واضعاً إياه في إطار "الاتهامات الباطلة والعارية من الصحة، والغاية منها خلط الأوراق وإبقاء الأزمات (بين بغداد وأربيل) مفتوحة". وحمّل باجلان، في اتصال مع "العربي الجديد"، المليشيات المدعومة من قبل بعض الأحزاب بالتورط في عمليات التهريب للنفط العراقي عن طريق السليمانية - إيران". وفي ما خصّ تحقيق "ذي ماركر"، قال المسؤول الكردي إن "ميناء جيهان التركي، فيه موظفون منتدبون من شركة النفط العراقية (سومو)، وهو يستقبل أيضاً نفط كركوك، الذي هو حالياً تحت إشراف وسيطرة الحكومة الاتحادية".
وأكد القيادي في "الديمقراطي الكردستاني"، أن "قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة لنا وللجميع، لكن المحكمة لا يمكنها إصدار أي قرار أو حكم، بناءً على معلومات واتهامات لا صحة لها، ما يجعلها تؤجل الدعوى التي لو توافرت أدلة حولها، لكانت أدت إلى صدور قرار". وتعليقاً على ذلك، لفت الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، إلى أن "دعوات قضائية عدة رفعت منذ عام 2011 بين بغداد وأربيل على مستوى قيادات وشخصيات تنفيذية وسياسية، أو على مستوى الحكومة، لكن القضاء لم يبت بأي منها حتى الآن". أما حول الأسباب الكامنة وراء ذلك، فهي "أولاً أن القضاء العراقي يلين أمام التوافقات السياسية، وعادة ما يهمل أي شكوى بعدما يسجل التوصل إلى اتفاقات معينة"، مرجحاً أن يكون ذلك "اجتهاداً من السلطة القضائية انطلاقاً من قاعدة التراضي". 

المساهمون