خلافات إيديولوجية تعكّر الانسجام الحكومي في المغرب

06 يونيو 2014
خلافات الحكومة المغربية بين الإسلاميين واليساريين (جلال مرشدي/الأناضول/Getty)
+ الخط -

طفت، في الفترة الأخيرة، خلافات إيديولوجية بين بعض الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي في المغرب، وخصوصاً بين حزبَي "التقدم والاشتراكية" من جهة، و"العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة، من جهة ثانية، وذلك لدى مناقشة بعض القوانين والملفات الاجتماعية الحساسة. خلافات دفعت زعيم حزب "التقدم والاشتراكية"، وزير السكن، نبيل بنعبد الله، إلى التشديد، يوم الخميس، على أن الحكومة الحالية "لا تقوم على أساس مواقع إيديولوجية، وإنما على برامج إصلاحية اتفقت عليها مكونات الغالبية، إذ يجد حزب التقدم والاشتراكية نفسه فيها".

وظهر أول خلاف قبل مدة بين "التقدم والاشتراكية" اليساري، و"العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية، عند مناقشة القانون المتعلق بالعنف ضد النساء. وحول هذا القانون، ذهب الوزراء الذين ينتمون إلى "التقدم والاشتراكية"، إلى ضرورة أن يتضمن تجريماً للاغتصاب الزوجي، في حين أبدى وزراء "العدالة والتنمية" تحفظهم على هذا الإجراء، كما رفضوا المصادقة على تجريم القانون لسرقة الزوج لأموال الزوجة.

وعاد الخلاف بصبغة إيديولوجية بين الحزبين عند مناقشة الخطة الوطنية للنهوض بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وذلك حول موضوعَي منع زواج القاصرات وعقوبة الإعدام، بعدما طالب "التقدم والاشتراكية" بمنع عقوبة الإعدام ومنع زواج القاصرات، وهو ما رفضه "العدالة والتنمية".

واتسعت رقعة الخلافات الإيديولوجية داخل الائتلاف الحكومي نفسه لتطال وزارة تشرف عليها وزيرة "إسلامية"، وهي وزارة المرأة والأسرة التي شهدت استقالات، بسبب ما قيل إنه احتجاج على إقحام الوزيرة للمرجعية الدينية لحزبها في تسيير شؤون الوزارة.

وعلى الرغم من ظهور هذه الخلافات الإيديولوجية بين الحزبين اللذين يكونان نواة الحكومة الحالية، فإن حزب "التقدم والاشتراكية" رفض أخيراً "تقديم الفريق الحكومي الحالي على أنه حكومة محافظة يتعيّن على اليسار مقاومتها، انطلاقاً من مواقع إيديولوجية صرفة".

في السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة فاس، أحمد مفيد، لـ"العربي الجديد"، أن ما تشهده الغالبية الحكومية من خلافات إيديولوجية هو وضع متوقع نظراً للخليط الذي يشكل مكونات هذه الأغلبية التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية، وتضم في تركيبتها حزبين ليبراليين، هما حزب "التجمع الوطني للأحرار"، وحزب "الحركة الشعبية"، كما يشكل جزءاً منها حزب "التقدم والاشتراكية" ذو المرجعية اليسارية الاشتراكية.

وأردف المحلل بأنه "لا يمكن، من الناحية المنطقية، أن يكون هناك تطابق في وجهات النظر بين مكونات الحكومة، وخصوصاً في الأمور المرتبطة بطبيعة الدولة، إذ تؤمن الأحزاب اليسارية والليبرالية بالدولة المدنية، فيما تتبنى الأحزاب الإسلامية فكرة الدولة الدينية".

وفي مجال حقوق الإنسان، أشار مفيد إلى أن الأحزاب اليسارية والليبرالية تدافع عن مبدأ عالمية حقوق الإنسان، وعدم إخضاعها لمنطق الخصوصية الذي قد يفرغها من محتواها، ويجعلها تتناقض مع المفهوم الحقيقي للحقوق والحريات كما هو متعارف عليه دولياً، وكما هو مضمّن في الإعلانات والمواثيق الدولية. واستدرك المتحدث أنه في الوقت نفسه "ترفض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مبدأ عالمية حقوق الإنسان، وتتشبث بفكرة الخصوصية، إذ تخضع حقوق الإنسان لعدة قيود، ترتبط أساساً بالتفسير المعتمد للنصوص الدينية"، وفق تعبيره.

ولفت المحلل إلى أن هذه المرجعيات المتناقضة تثير هذا الاختلاف بين حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية في المسائل الحقوقية، ومنها ما يتعلق بطبيعة الموقف من عقوبة الإعدام، أو من تزويج القاصرات، أو الموقف من الدولة المدنية، وغيرها من القضايا.

وخلص مفيد إلى أنه "رغم ما يُسجل من اختلافات في المواقف بين مكونات الغالبية الحكومية بخصوص هذه القضايا الإيديولوجية، فإن ذلك قد لا يؤثر في مسار الحكومة وفي استمراريتها، ولكنه سيؤثر بكل تأكيد في الانسجام الحكومي".

المساهمون