عندما أقمت في روما، منتصف التسعينيات، شدّتني ظاهرة السياح اليابانيين طويلاً. كانوا ينزلون من الحافلات ويسيرون في الشوارع بانتظام مدهش. نادراً ما كنت أبصر بينهم شباباً، كانوا من المُسنّين. كان كل واحد منهم يمسك بآلة التصوير كمحارب متسلح ببندقيته، ويستغرق الوقت كلّه في التقاط الصور بدلاً من الاستمتاع بالمشاهد الأثرية الخلابة.
ذات يوم، تعرفت إلى زوجة صديق كانت تعمل كمرشدة سياحية مع السواح اليابانيين، فأشبعت فضولي وأجابت على تساؤلاتي. أخبرتني أنهم متقاعدون من الطبقة العاملة، ادخروا طوال عمرهم مالاً لزيارة أوروبا، خصوصا روما وباريس. إنهم يعرفون جيداً أن زيارة العمر هذه هي الأولى والأخيرة في حياتهم، لهذا السبب لا يريدون أن تفلت منهم الفرصة.
وأرجعت هاجس التقاط الصور إلى قناعتهم بأن الشيخوخة لن تسعفهم في تذكر التفاصيل. وأضافت أن متعتهم الحقيقية ستكون عندما يعودون إلى اليابان ويشاهدون الصور، أما السفر بالنسبة لهم فهو كالعمل تماماً، يخلصون إلى أقصى الحدود في إتمامه على أحسن وجه.
اليوم، تزايد هاجس التقاط الصور في كل وقت وفي كل مكان حتى صارت ظاهرة "السِلفي" أقرب إلى مرض نفسي. إننا نعيش تخمة في الصور وترهّلاً وكسلاً في التذكّر.
إن الذاكرة غيورة جداً على حرّيتها ولا تريد أن تُقاد كالحمير. إنها تنتقى وتختار ما تشاء وترغب أن تكون رشيقة وخفيفة كل العمر.