16 فبراير 2021
خطة إسرائيلية
خطّة السلام التي أعلن عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والتي سُميت صفقة القرن، هي في جوهرها خطة تَقدّم بها الطرف الإسرائيلي. وفي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، الممتد نحو قرن، كانت فكرة إقامة دولة فلسطينية خطّا أحمر لا يمكن بلوغه إسرائيلياً، حيث عملت إسرائيل، بكل قوتها، على شطب هذا الحلم، معتبرةً أن أرض فلسطين التاريخية هي أرض إسرائيل، والتي لا يمكن أن تكون أرضا لشعبين، أو تضم دولة أخرى إلى جوار الكيان الإسرائيلي.
تتشابه الخطّة الإسرائيلية، إلى حد كبير، مع خطة الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، للسلام 1982، والتي نصّت على دولة فلسطينية مستقلة متّصلة على أراضٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة، ونصّت على أن أمن إسرائيل أولوية، مع تحديد المناطق التي ستحتفظ بها لحماية أمنها، من دون العودة إلى حدود 4 يونيو/حزيران 1967، والقدس عاصمة موحّدة لإسرائيل، وعاصمة فلسطينية في ضواحي القدس الشرقية، وتنسيق مع الأردن لبقاء الأماكن المقدسة مفتوحة للجميع.
ويمكن الإشارة إلى أن خطة السلام الجديدة قد تكون الثلاثين في مشاريع تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولعل أبرز تلك المشاريع كان المشروع
البريطاني الذي أعلن عنه وزير المستعمرات، اللورد موين، الذي اغتالته العصابات الصهيونية في القاهرة عام 1944، وشكلت مشاريعه إرهاصات فكرة الدولتين، ثم تخلّيه عنها وطرح فكرة الدولة الواحدة، ثم جاء الكتاب الأبيض، أو الكتب البيضاء البريطانية الأربعة، ثم قرار التقسيم، ومحادثات رودس وجنيف، وضم الضفة الغربية، والخيار الأردني، وبعدها أعد اللورد كارادون قرار مجلس الأمن 242، والنزاع على ال التعريف فيه، ثم إزالة آثار العدوان، ومشاريع الرئيس جونسون والوزير كيسنجر، وعودة الخيار الأردني، وحرب رمضان 1973، واتفاقيات فصل القوات ومحادثات لوزان، والقنوات السرّية، ثم البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير، وبداية الاتصالات مع "قوى السلام" الإسرائيلية، ثم مفاوضات كامب ديفيد، واتفاقية السلام مع مصر، وبداية طرح الحكم الذاتي للفلسطينيين، وانفراط عقد الحل الجماعي العربي، والتفرّد في التفاوض. ثم عودة الخيار الأردني، والمملكة المتحدة، وروابط القرى، وبعدها اتفاق عمّان بين الملك حسين وياسر عرفات، وبداية الحديث عن الكونفدرالية، وقبلها الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وبعدها مبادرة الملك فهد، وتدويرها لتصبح مبادرة السلام العربية، ثم مؤتمر مدريد للسلام، والمفاوضات الثنائية والمتعدّدة الأطراف، والقنوات السرّية التي أفضت إلى اتفاق غزة أريحا أولا وأوسلو والحكم الذاتي واتفاقية باريس، واتفاقية وادي عربة، وقبلها اتفاقية السلام اللبنانية الإسرائيلية التي تم إلغاؤها. والتفاهمات السورية الإسرائيلية، ومبادرة كلينتون، ثم أوباما ووزير خارجيته جون كيري ومشروعه.
ميّز تلك المسارات والمبادرات أنها كانت تُعرض من أطرافٍ تسعى إلى حل الصراع، إلا أن ما
يميز الخطة الجديدة أنها تأتي من إسرائيل ذاتها، وهي محاولة لحل إشكالية تعاظم المخاطر الوجودية التي تتعرّض لها إسرائيل، خصوصا في ملف الديمغرافيا، بعد أن تمكّن الشعب الفلسطيني خلال العشرين عاما الأخيرة من إفشال مخطط اليمين الإسرائيلي الذي سعى، بكل قوة، إلى هدم البنية التي نشأت ما بعد اتفاق أوسلو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، والذي اغتيل على يد الطرف الذي أمسك بالسلطة لاحقا، وهو الطرف اليميني.
كان مشروع اليمين الإسرائيلي هو قطع الطريق على تشكّل أي كيانية فلسطينية، وهو المشروع الذي أشرف عليه أرييل شارون وبنيامين نتنياهو، خلال العقود الثلاثة الماضية، من حيث تهديم البنية المؤسسية التي نشأت ما بعد "أوسلو"، والعمل على إنشاء الجدار العازل، وتقطيع الضفة الغربية عبر الحواجز، وعزل غزّة، وتنفيذ سلة من الحروب، بغرض هزيمة المشروع الوطني الفلسطيني، بل والعمل على إدامة الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وجاءت تداعيات إعلان الصفقة بالتأكيد مهمة جدا، وأولها أنها كشفت المأزق الإسرائيلي وجودياً، فيما يتعلق بمستقبل إسرائيل، في ظل فشل مشروع تهديم البنية الفلسطينية، وشرعية وجودها وحقوقها الوطنية، إضافة إلى مأزق إسرائيل تجاه خياراتها السياسية، في ظل التحولات الكبرى دوليا وإقليميا. وعلى المستوى الآخر، بدأ الحديث الفلسطيني عن تجاوز الانقسام، وعن وحدة الصف الفلسطيني، معطوفا ذلك على تراجع الأدوار العربية والإقليمية التي كانت توظف القضية الفلسطينية تاريخيا، سواء في عهد الانتداب، أو في ظل صراع الرجعية العربية مع التيارات التقدمية، أو الصراع ما بين محوري الاعتدال العربي والمقاومة. كما ساهم إعلان الصفقة في إعادة القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام العربي والإقليمي والدولي، بعد أن هيمن ملف محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني على أجندة الإقليم طوال العقدين الماضيين.
ختاماً، في وقتٍ كشفت فيه خطة السلام الإسرائيلية عجز إسرائيل عن إنجاز تسويةٍ تاريخيةٍ تمكّنها من الاندماج في المنطقة، انفتح الأفق لإنجاز تسوية فلسطينية داخلية، تمكّن الشعب الفلسطيني من إعادة إنتاج مشروعه الوطني، منسجما مع تعاظم الهم الوطني عربيا خلال العقد الأخير، بفعل انهيار النظام الرسمي العربي بفعل رياح الربيع العربي.
ويمكن الإشارة إلى أن خطة السلام الجديدة قد تكون الثلاثين في مشاريع تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولعل أبرز تلك المشاريع كان المشروع
ميّز تلك المسارات والمبادرات أنها كانت تُعرض من أطرافٍ تسعى إلى حل الصراع، إلا أن ما
كان مشروع اليمين الإسرائيلي هو قطع الطريق على تشكّل أي كيانية فلسطينية، وهو المشروع الذي أشرف عليه أرييل شارون وبنيامين نتنياهو، خلال العقود الثلاثة الماضية، من حيث تهديم البنية المؤسسية التي نشأت ما بعد "أوسلو"، والعمل على إنشاء الجدار العازل، وتقطيع الضفة الغربية عبر الحواجز، وعزل غزّة، وتنفيذ سلة من الحروب، بغرض هزيمة المشروع الوطني الفلسطيني، بل والعمل على إدامة الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وجاءت تداعيات إعلان الصفقة بالتأكيد مهمة جدا، وأولها أنها كشفت المأزق الإسرائيلي وجودياً، فيما يتعلق بمستقبل إسرائيل، في ظل فشل مشروع تهديم البنية الفلسطينية، وشرعية وجودها وحقوقها الوطنية، إضافة إلى مأزق إسرائيل تجاه خياراتها السياسية، في ظل التحولات الكبرى دوليا وإقليميا. وعلى المستوى الآخر، بدأ الحديث الفلسطيني عن تجاوز الانقسام، وعن وحدة الصف الفلسطيني، معطوفا ذلك على تراجع الأدوار العربية والإقليمية التي كانت توظف القضية الفلسطينية تاريخيا، سواء في عهد الانتداب، أو في ظل صراع الرجعية العربية مع التيارات التقدمية، أو الصراع ما بين محوري الاعتدال العربي والمقاومة. كما ساهم إعلان الصفقة في إعادة القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام العربي والإقليمي والدولي، بعد أن هيمن ملف محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني على أجندة الإقليم طوال العقدين الماضيين.
ختاماً، في وقتٍ كشفت فيه خطة السلام الإسرائيلية عجز إسرائيل عن إنجاز تسويةٍ تاريخيةٍ تمكّنها من الاندماج في المنطقة، انفتح الأفق لإنجاز تسوية فلسطينية داخلية، تمكّن الشعب الفلسطيني من إعادة إنتاج مشروعه الوطني، منسجما مع تعاظم الهم الوطني عربيا خلال العقد الأخير، بفعل انهيار النظام الرسمي العربي بفعل رياح الربيع العربي.
مقالات أخرى
30 أكتوبر 2020
31 اغسطس 2020
13 اغسطس 2020