خطوات عجولة وراء غورباتشوف

05 يوليو 2014
+ الخط -


تغيرت الدنيا، صارت هناك قواعد جديدة، ربما نقول آليات جديدة، وأضحت الصورة مهمة جدًّا، لا يمكن تجاهلها، بالإضافة إلى أن هناك أجيالا جديدة تفتحت على وعي جديد، وإدراك مختلف، عن أجيالٍ رضيت بالقمع والظلم والاستبداد، وتغاضت طويلاً عن التزوير ونهب ثروات الوطن. وكان هذا التغاضي يأتي بمرافقة استبداد للديكتاتوريات بالإعلام، وفرض تحالفات سياسية، ونظرات استعمارية، في ظل حداثة تجربة الاستقلال، شبه الوهمية التي تنتظر منها الشعوب نتائج بعد حين، وتتحمل في بدايتها أخطاء وتجاوزات، لكن الوضع استمر بعد الرضا المبدئي بوقوعها.

ملاحظ أن الأمر يتكرر، الآن، بعد الرضا بتجاوزات نظام انقلاب الثالث من يوليو، إذ إن من اعتقد آنية تجاوزاته القانونية والجنائية والسياسية والمالية، خانه تقديره، فاستمرت هذه التجاوزات حتى اللحظة، بل إنها استفحلت لتطال أصحاب هذا الاعتقاد، من الكتاب والإعلاميين، بل، وحتى البسطاء الذين طالتهم آليات تنفيذ رؤية قائد الانقلاب لنمط الحكم الذي يريد أن يفرضه قسرًا على الناس.

نمط بائس ذاك الذي يحاول الانقلابيون فرضه على المصريين، لا أمل فيه مطلقًا، فكتلة كبيرة من المصريين تقاومه باستماتة، مهما كلفها من تضحيات، هذه الكتل الكبيرة تحول دون استتباب الأوضاع للانقلاب، مهما زعم من قدرة على الإدارة، أو على المضي في خرائط طريقه النظرية، التي يسير فيها وحيدًا، وهو أول من انقلب عليها، مع ثلة من الأتباع الذين لم يعودوا يتحركون من أجله كما كانوا يفعلون قبل عام من الآن.

النتائج بِنْتُ المقدمات، ولا أظن أن نظام حكم يحاول سياسة الناس بالقتل والاعتقال والتعذيب والاغتصاب، والنهب والفساد والإقصاء وتقسيم المجتمع، في هذا الزمان؛ يمكن أن تكون لديه ذرة من قناعة بأن هذا السبيل سيؤدي إلى الاستقرار، أو حتى إلى بقاء النظام.

كل سلطة تدرك ذلك حتمًا، ولذلك إن أرادت أن تستمر فعليها أن تحاول الإرضاء، وأن تكف يدها ما أمكن عن المواطنين، وأن تقدم للشعب ما يمكن أن يجعله يرضى بوجودها، حتى وإن استمرت في قدر من الظلم والنهب والفساد.

لكن ما يحدث من الانقلابيين يشير إلى أن مسلكهم لا يُقصد به البقاء في السلطة مدة طويلة، بل تحقيق نتيجة معينة، فقائد الانقلاب هو الذي أشار، قبل ذلك، إلى عدم نجاعة الحل الأمني مع قضية سيناء، ضاربًا المثل بنموذج انفصال جنوب السودان، بسبب سياسة حكومة الخرطوم الأمنية فقط مع هذه القضية، وها هو نفسه يستخدم الحل الأمني نفسه مع بعض المجموعات المتطرفة في سيناء، بدعوى الإرهاب؛ لينتقل الإرهاب من كَفِّ الوطن إلى الجزء العلوي من جسد الوطن، ويضرب في قلب العاصمة من دون هوادة.

أما القضاء الذي كنا نعتقد أنه حصن أخير للعدالة في مصر، نراه يضرب بكل قواعد ومبادئ ونصوص القوانين المصرية عرض الحائط، في مشهد لا يمكن أن نتخيل معه عودة هذا المرفق إلى طريق العدل والإنصاف قبل سنوات، ومن دون تغييرات جذرية تطال أشخاصه، وآليات عمله وضمانات اللجوء إليه.

بينما الجيش يُدْفع نحو مواجهات شعبية، لا تمس غير مكانته ومنزلته في قلوب المصريين، ويتم توريطه في دعايات ساذجة كأجهزة علاج الفيروسات، سرعان ما يتم التراجع عنها خوفًا من فضائح عالمية، خصوصاً أنها استنفدت أغراضها السياسية، فمن يُعيد إلى الجيش سمعته ومكانته!

والجهاز الإداري في الدولة، يقول للمصريين إنه لن يتعاون إلا مع من يرضى به من الحكام، فإذا لم يكن اختياركم متوافقًا مع اختياراتي، فلن تذوقوا سوى أَمَرِّ العذاب.

ما يحدث في مواجهة مظاهر معارضة الانقلاب، سواء في التظاهرات، أو السجون والتضييق والمطاردات الأمنية، كفيل بإحداث ثاراتٍ، لا تنتهي مهما طال الزمن، بين المظلومين وأهالي الشهداء وأصدقائهم وبين من فعلوا معهم هذه الأفاعيل.

ويأتي رفع الدعم عن السلع الأساسية، وأسعار الوقود، وارتفاع الأسعار الجنوني، ما سيجعل الناس تهيم على وجوهها في الشوارع والطرقات، لا يعلم إلا الله تعالى مدى ما يمكن أن يفعلوه، بسبب ما سيعانونه من أزمات إضافية.

هل هذه أفعال من يريد البقاء حقًّا، فضلاً عن إرادته التنمية والتقدم والتطوير، أم أننا أمام نموذج أكثر تشَوُّهًا من غورباتشوف وبيريسترويكته التي أدَّت إلى تفكك الاتحاد السوفييتي منذ قبل ربع قرن؟

أحمد خلف (مصر)
أحمد خلف (مصر)