لم تعد إسرائيل تقدم فقط المزيد من الدلائل على عمق تعاونها مع قوى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، بل إن كبار مسؤولي الاحتلال باتوا يؤكدون أنهم على علم بالمخططات الميدانية التفصيلية التي يعدها التحالف ضد التنظيم.
فقد فاجأ وزير الأمن الإسرائيلي موشيه ياعلون مشاهدي شبكة "بي بي أس" التلفزيونية الأميركية الخميس الماضي، عندما أبلغهم أن مهمة التخطيط لاغتيال زعيم تنظيم "الدولة" أبو بكر البغدادي، قد بدأت بالفعل. وعلى الرغم من أن الصحافي تشارلي روز، الذي أجرى المقابلة لم يتمكن من إخفاء شعوره بالمفاجأة لصراحة ياعلون، واصل الأخير التأكيد على عمق التعاون بين إسرائيل والدول التي تشكل التحالف ضد "داعش".
وعندما سُئل ياعلون عما إذا كانت تصفية البغدادي تُعدّ هدفاً معقولاً، رد قائلاً إنه "عندما يكون لديك تغطية استخبارية غنية وتفوق جوي، فبإمكانك تحقيق هذا الهدف". ولم يفت ياعلون أن يشير إلى تجربة إسرائيل "الغنية" في هذا النوع من العمليات، موضحاً أن الكيان الصهيوني يواجه تحديات أخرى غير تلك التي يمثلها "داعش". وأوضح ياعلون أن "إسرائيل تقدم كل ما لديها من معلومات حول تحركات تنظيم داعش، ليس فقط للولايات المتحدة وشركائها الغربيين، بل أيضاً تقدم هذه المعلومات للدول العربية المشاركة في التحالف ضد التنظيم". واستدرك ياعلون قائلاً إنه يتوجب على "إسرائيل أن تحرص على أن تكون مساهمتها في الحرب على داعش ذات طابع سرّي وغير مكشوف، حتى لا تؤثر على تماسك التحالف وفاعليته". وشدد على أن "علاقات إسرائيل الاستخبارية مع الدول العربية المشاركة في التحالف ممتازة".
وفي السياق، حذّر المستشرق الصهيوني البارز، رونين يستحاك، من أن أحد مواطئ الخلل في استراتيجية التحالف الدولي ضد "داعش" يتمثل في عدم قدرة التحالف على المسّ بقيادات التنظيم. وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، شدد يستحاك على أهمية استهداف قيادات التنظيم، على اعتبار أن الأمر سيفضي للمسّ بالروح المعنوية لعناصر التنظيم.
وأشار يتسحاك إلى أن تمكين قوى التحالف من تحقيق نتائج قوية يتطلب الاستعداد للتعاون مع النظام السوري، على اعتبار أن لديه معلومات نوعية حول التنظيم وقياداته. وحذر يتسحاك من الاكتفاء بالاعتماد على الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار في جلب المعلومات الاستخبارية عن التنظيم، على اعتبار أن مثل هذه الوسائل لا تقدم معلومات تكفي للوصول لقيادات التنظيم البارزة.
وأعاد يتسحاك للأذهان حقيقة أن تعاظم الرقعة الجغرافية التي ينتشر عليها "داعش" تمثل معضلة تقلص من تأثير الضربات الجوية ضده. ويرى أن هذا الواقع يفرض على الولايات المتحدة استخدام كل طائراتها المقاتلة تقريباً في الهجمات.
لكن هناك في إسرائيل من يرى أن مساعدة إسرائيل لدول التحالف لن تسهم كثيراً في تحقيق نتائج كبيرة، بغض النظر عن طابع المساعدة التي يحصل عليها من إسرائيل. ويؤكد نائب رئيس "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، إفرايم كام، من أن فشل الحملة على "داعش" سيكون محتماً بسبب طابع اندماج "داعش" بالبيئات المحلية في كل من العراق وسورية. ويلفت إلى أن هذا الاندماج يقلّص من القدرة على المس بالتنظيم.
وفي ورقة نشرها "المركز" يوم الجمعة، أوضح كام أن إحدى أهم المعضلات التي تواجه الغرب في حربه على "داعش" تتمثل في فقر الغطاء الاستخباري، مشيراً إلى أنه يصعب، في الغالب، اختراق التنظيمات الأيدولوجية، مما يقلص من القدرة على الحصول على معلومات من مصادر بشرية ذات علاقة في التنظيم.
من جهته، يجزم الجنرال عاموس جلبوع، بأنه حتى لو نجح التحالف في القضاء على "داعش" فإن مزيداً من التنظيمات "المتطرفة" ستنطلق محله، ولن يستعيد الإقليم استقراره.
وفي مقال نشرته "معاريف"، لفت جلبوع، الذي سبق أن شغل منصب قائد "لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الأنظار إلى أن انطلاق "داعش" جاء نتاج انهيار دول قائمة، محذراً من أن التدخل الخارجي يحفّز فقط ولادة مثل هذه التنظيمات. وأشار إلى أن هناك شواهد تاريخية تؤكد أن انطلاق التنظيمات المتطرفة يكون نتائج انهيار منظومات الحكم في الدول، منوهاً إلى أن هذا ما حدث عندما اجتاح السوفيت أفغانستان 1979، أدى إلى انطلاق "القاعدة"، وما حدث عام 1982 عندما تشكل حزب الله رداً على احتلال لبنان. ويشدد جلبوع على أن انطلاق "داعش" جاء رداً على انهيار الدولة في كل من العراق وسورية.