خطر على أيتام غزة

15 اغسطس 2017
الخطر حقيقي (محمد الحجار)
+ الخط -
بعض الجمعيات والمؤسسات التي تتكفل بنفقات أيتام غزة توقفت عن الدفع نهائياً وبعضها الآخر قلّص المبالغ المخصصة لهم

مع بدء التحضيرات للعام الدراسي الجديد في قطاع غزة الفلسطيني، يظهر القلق على عدد كبير من أسر الأيتام، في ظل توقف أو تقلص المبالغ المخصصة لكفالتهم منذ بدء العام الجاري، بالترافق مع اشتداد الأزمات الاقتصادية والسياسية في الدول المانحة.

الأرملة أم أيمن المجذوب، أم لأربعة أطفال أيتام، تقلصت كفالة أطفالها إلى النصف منذ بداية العام، ما اضطرها إلى الاستغناء عن كثير من الحاجيات، بل باتت تلجأ إلى وعد أطفالها عند طلبهم بعض اللوازم أو الألعاب. استشهد زوجها في العدوان الثاني على غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012، وتكفل عدد من الجمعيات بأطفالها، لكنّ المبلغ المخصص لهم تقلص تدريجياً بدءاً من نهاية عام 2015. تقول لـ"العربي الجديد": "كانت كفالة كلّ طفل نحو 80 دولاراً أميركياً، وكان في استطاعتي تغطية الطلبات بالرغم من كلّ الغلاء الذي يحيط بنا. تقلصت بعدها إلى 50 دولاراً لكلّ طفل، واليوم وصلت إلى 120 دولاراً لكلّ أطفالي، أي 30 دولاراً لكلّ منهم، فلا تكفيهم حتى للغذاء".

تشعر خديجة أبو طارق بالإهانة عند التنقل بين الجمعيات التي تتكفل أطفال أخيها الثلاثة. تتولى هي تربيتهم منذ استشهاد والدتهم في العدوان الأخير على غزة عام 2014 ووفاة والدهم بعدها بعام. تقول لـ"العربي الجديد": "بعض المؤسسات تقدم المساعدة بطريقة مهينة للأسف، وأنا أعاني من التجول بينها للمطالبة بحقوق الأطفال. مع الأزمة الأخيرة تقلصت الكفالة إلى الربع، وأواجه مشقات للحصول على ذلك المبلغ".



تشير أبو طارق إلى أنّ الأزمة بدأت منذ منتصف العام الماضي بعدم استقرار مبلغ الكفالة ونقصانه في كثير من الأشهر، لكن، خلال العام الجاري، توقف تحويل كفالة الأموال لمدة شهر في ظل الحصار الخليجي لقطر واعتماد الكفالة على جمعية قطرية في غزة. تعبّر عن خوفها خلال الفترة المقبلة مع اشتداد الحصار على غزة وصعوبة تحويل الأموال من قطر إلى القطاع في ظل الأزمة الخليجية.


أما الأرملة إيمان صالح، فقد انقطعت عنها كفالة طفليها قبل شهر من إحدى الجمعيات المحلية، وهو قرار أصاب نحو 100 أسرة أيتام أيضاً، في ظل اعتماد الجمعية على محسنين من السعودية جرى تحويل أموالهم إلى بلدان أخرى.

طفل إيمان، محمود (10 أعوام) يريد أن يكبر ويعمل ليجني مالاً ويسدّ حاجة أمّه وأخيه الأصغر أحمد، ولا يريد الاعتماد على أحد في ذلك. يقول لـ"العربي الجديد": "لا نريد أن تذلنا الجمعيات والمؤسسات، سأكبر ولن نحتاج إلى أحد". تقول أمه: "المشكلة أنّي بحثت عن عمل لكي أسدّ حاجة الأسرة، لكن لم يتوفر لي أكثر من عمل مدخوله أقلّ من 100 دولار شهرياً، ما لا يسدّ حاجتنا. لذلك، تكفل أحد رجال الأعمال لفترة مؤقتة بمصاريف طفليّ حتى نهاية العام الجاري. بعد ذلك، أخاف ألا أجد أيّ مال".

إحدى أهم المؤسسات التي تتكفل بالأيتام في غزة منذ عقود هي "الجمعية الإسلامية" لكنّها تمرّ في أزمة تعتبر الأشد منذ تأسيسها، بعد إعلان مديرة قسم الأيتام سعاد أبو طاقية أنّ نحو خمسة آلاف كفالة يتيم انقطعت أو توقفت منذ أكثر من ثلاث سنوات، لتشتدّ الأزمة هذا العام بالذات. تشير أبو طاقية إلى أنّ الكفالة كانت تتضمن برامج التعليم والغذاء والحاجات الأساسية مثل الملابس. وتقول: "توقف الدعم يقطع شريان الحياة عن الأيتام والأرامل. بعض أمهات الأيتام يلجأن للاستدانة في الوقت الحالي ليوفرن حاجة عائلاتهن، لكن لن يجدن طريقة للسداد".

يشير منسق مؤسسات العمل الخيري بغزة أحمد الكرد إلى أنّه طوال أربعين عاماً من العمل الإنساني، لم يشهد أسوأ من حال رمضان الماضي الذي ارتفعت فيه نسبة الفقر، واشتد الحصار، واشتدت معه الهجمة على مؤسسات العمل الإنساني لتجفيف منابع تمويلها. لكنّ الكرد يعتبر أن الخطير في قضية تمويل الأيتام والفقراء، هو إقحامهم في التجاذبات السياسية. يفسر: "في الانتفاضتين الأولى والثانية لم يمس الاحتلال الصهيوني نفسه الفقير مطلقاً. لكنّ الخلافات السياسية للأسف دفعت إلى قطع مصادر التمويل. كذلك، فإنّ المؤسسات الإنسانية المرخصة منذ عام 2006 ممنوعة من فتح حسابات مصرفية وتلقي تمويل، ما جمّد نشاط عشرات منها".

يشير إلى أنّ 50 مؤسسة إنسانية في غزة جمّدت المصارف حساباتها بالكامل. يتابع أنّه خلال متابعته لاحظ أنّ دولاً عربية وإسلامية منعت في السنوات الأخيرة، خصوصاً العام الجاري، تحويل المال إلى غزة، وهو ما أدّى إلى كارثة إنسانية على عشرات آلاف الأسر المحتاجة.