خطر الإرهاب يهدّد من؟

06 مارس 2016
+ الخط -
تحدّد الدول الغربية الإرهاب بوصفه الخطر الداهم القادم من منطقة الشرق الأوسط إلى مدنها، وما دون ذلك مخاطر من الممكن التعايش معها، أو هي محصورة في المنطقة، حتى في الحديث الأوروبي عن موجة اللاجئين السوريين، تقول هذه الدول إنها تخاف من أن يتسلل إرهابيون بينهم. والواضح اليوم أن قضية اللاجئين تضع شعارات حقوق الإنسان في هذه الدول على المحك، إذ تدين منظمة العفو الدولية (أمنستي) حتى ممارسات دولة، مثل السويد، في ما يتعلق بالتعامل مع اللاجئين، والرقابة على الحدود، لطالما عرفت بالتزاماتها بحقوق الإنسان وحياديتها في الصراعات والحروب التي اندلعت على مدى القرن العشرين.
لا شك أن الإرهاب يشكل خطراً على الدول الغربية، بعد أن اختبرته، في العام الماضي، في مواقع عديدة، خصوصاً فرنسا التي شهدت عمليتين إرهابيتين كبيرتين، على مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة مطلع العام 2015، أسفرت عن 15 ضحية. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث شهدت فرنسا عدة هجماتٍ، ذهب ضحيتها 130 شخصاً وجرح مئات. وجاءت حادثة كاليفورنيا في الولايات المتحدة لتضفي مزيداً من الهالة على تأثيرات الإرهاب غير المباشر، حيث هاجم زوجان متأثران بفكر "داعش" حفلاً ليخلفا 14 قتيلاً وعشرات الجرحى.
وبعد أحداث فرنسا وحادثة كاليفورنيا، زاد التركيز الإعلامي على الإرهاب، بوصفه الموضوع الأول الذي يحوز أكبر نسبة مشاهدة ومتابعة في الإعلام الغربي، وأصبح كذلك الموضوع الأول في اهتمام السياسيين هناك، وبات مرض "الإسلاموفوبيا" يتوسع في المجتمعات الغربية، معززاً القوى اليمينية والعنصرية في هذه البلدان. صحيح أن أربع ملايين فرنسي خرجوا بعد الاعتداء على "شارلي إيبدو" متظاهرين ورافضين أن يمس "الإرهاب" نمط الحياة الفرنسي، لكن فرنسا تشهد اليوم مزيداً من العداء للأجانب، ومزيداً من تقييد قبولها اللاجئين. فالقلق يجتاح أوروبا التي تعدت رفع درجة المخاطر في كثير من مدنها إلى الدرجة القصوى، على خلفية معلومات استخبارية، تقول بالإعداد لمثل عملياتٍ كهذه، وتصبح الأخبار على مدار الساعة، هل وقع هذا التهديد بعمل إرهابي في الواقع أم لا؟ لذلك، يعتبر أكثر المعلقين مرونة أن على الأقل هناك حاجة لتطمين الجمهور الغربي بشأن موضوع الإرهاب.
لا شك أن الاهتمام المبالغ فيه بأخبار الإرهابيين وعملياتهم يصب، عن قصد أو بدونه، في المسعى الذي يهدف إليه الإرهابيون أنفسهم. فهم من خلال عمليات الترويع التي يقومون بها، يعملون على احتلال وسائل الإعلام التي تدق، طوال الوقت، جرس إنذار المخاطر، وتعطي لهم هالة ضخمة، لم يكونوا يحلمون بها، وبنجاحهم في احتلال وسائل الإعلام، فإنهم يسيطرون على خيال هذا الجمهور الخائف ما يزيد في خوفه.
في هذا السياق، كتب باسكال بونيفاس الصحافي الفرنسي، مقالاً بعنوان "مواجهة الإرهاب من
دون تهويل أو تهوين"، تساءل فيه: ألسنا نواجه خطر أن يؤدي تركيزنا المفرط على تهديد الإرهاب إلى تقوية الإرهابيين الذين سيعلنون "النصر"، بالنظر إلى حجم ردود الفعل التي يثيرونها؟ وقد يسمح لهم ذلك بتعزيز عمليات التجنيد التي يقومون بها. وألا ندفع، في ردود فعلنا تلك، بعضهم، وخصوصاً من ضعفاء النفوس، إلى محاولة تنفيذ عمل إرهابي من باب التقليد والمحاكاة؟ وألسنا نغذي بذلك جواً تطغى عليه مشاعر الخوف والقلق، يؤثر على معنويات البلاد والنشاط الاقتصادي، جرّاء العيش في خوف دائم من ضرباتٍ جديدةٍ، قد تحدث في أية لحظة؟ فنمنح بذلك مكسباً رمزياً للإرهابيين الذين سيكونون استطاعوا التأثير فينا؟
أسئلة الصحافي الفرنسي عن طريقة التعامل الفرنسي مع الإرهاب محقة، وإذا أخذنا أسئلته أبعد قليلاً، نسأل: هل الإرهاب نبت شيطاني؟ في أي شروطٍ جوسياسيةٍ، نبت وترعرع؟ وأي مناخات وتسهيلات ثقافيةٍ، تم توفيرها له، ومن الذي وفرها؟ وأي قوى وسلطات سياسية دعمته بشكل مباشر أو غير مباشر؟ ولأي أهداف تم دعمه؟
ليس من الصعب الإجابة على هذه التساؤلات، لكنها تحتاج إلى سياسة غربية أخرى، غير التي تلاحق الإرهاب، بوصفه نبتاً شيطانياً منزوع السياق، وتخوض حرباً من الجو لا تغني ولا تسمن من جوع. يخلص بونيفاس إلى أن المجتمعات الغربية يجب أن لا تخضع لهذا النوع من الابتزاز، فهناك مخاطر عديدة عادية، مثل حوادث السير، ضحاياها أكبر من عمليات إرهابية كثيرة، وعنده، خلاصة القول إن الهجمات الإرهابية، على فظاعتها ورعبها، لا تمثل تهديداً لمجتمعنا إلا إذا استسلمنا للخوف. ولذلك، من غير المفيد الإفراط في التركيز على هذا التحدي الاستراتيجي، حتى لا نهمل التحديات الأخرى التي تواجهنا، الأمر الذي سيرقى، إذا ما فعلنا، إلى الاستسلام للدرامي واللاعقلاني وإغفال البنيوي والعقلاني. وإذا كانت الهجمات الإرهابية، وبالتالي القوى الإرهابية، لا تشكل تهديداً للمجتمعات الغربية، وهذا صحيح، لكنها، تشكل تهديداً داهماً على مجتمعاتنا في المنطقة، والحرب عليها، كما عرفناها في السنتين الأخيرتين، لا تنتصر على هذا النوع من القوى، من دون معالجة أساسه العمق والداعم. ولا يخفى ذلك على كل عينٍ ترى، إذا أرادت الرؤية، إنه الاستبداد، هو الأساس، والإرهاب من عوارضه الكثيرة.

D06B868A-D0B2-40CB-9555-7F076DA770A5
سمير الزبن

كاتب وروائي فلسطيني، من كتبه "النظام العربي ـ ماضيه، حاضره، مستقبله"، "تحولات التجربة الفلسطينية"، "واقع الفلسطينيين في سورية" ، "قبر بلا جثة" (رواية). نشر مقالات ودراسات عديدة في الدوريات والصحف العربية.