لم يتخيل أحد ما حدث، لقد كانت ليلة تاريخية على كافة الأصعدة، ريمونتادا برشلونة أشهر حدث رياضي في هذا العام، ليصعد الكتلان إلى ربع نهائي الأبطال، ويخرج الباريسيون من الباب الضيق بعد الهزيمة بسداسية، رغم أنهم فازوا ذهابا بنتيجة أربعة أهداف دون رد، مع أداء أسطوري ونتيجة خيالية جعلت الجميع يؤكدون صعودهم إلى الجولة المقبلة، لكن حدث كامب نو كان بمثابة المفاجأة والصدمة للجميع، الصديق قبل العدو، من خلال طريقة الفوز وتوقيت الأهداف وتألق نيمار بشكل لا يصدق. كل هذه الأمور وضعت فريق إيمري في أسوأ خانة ممكنة، رغم تحسن مستوى سان جيرمان وتطور تكتيكه خلال النصف الثاني من عمر الموسم.
الاستثناء
من الصعب إنهاء موسم أي فريق بسبب مباراة، ويستحق إيمري الانتقاد بكل تأكيد، لكن مباراة برشلونة لن تجعله يبتعد عن التدريب، لقد انهزم مورينيو في الملعب نفسه بالخمسة من قبل، وتلقى غوارديولا هو الآخر هزيمة شهيرة بالأربعة برفقة بايرن ميونخ في الأبطال، وبالتالي فإن كل مدرب معرض للسقوط غير المتوقع في بعض المواجهات، لكن الأهم أن يعرف كيف يعود من جديد، إنه الشرط الوحيد الذي يضع المدير الفني في مكانة مختلفة، ويساعده على عودة الثقة إلى لاعبيه، مع ضبط البوصلة من جديد في ما تبقى من عمر البطولات المتاحة.
لعب باريس سان جيرمان بعد قدوم دراكسلر في الشتاء بطريقة ذكية للغاية، 4-3-3 على الورق بتواجد ثلاثي بالمنتصف وثلاثي آخر في الهجوم، مع وجود دور جديد للثنائي رابيو وفيراتي. يعود الأول بعض الشيء للخلف كارتكاز دفاعي أثناء هجمات فريقه، بينما يصعد فيراتي إلى منتصف ملعب الخصم كوسط مساند وصانع لعب، ليحصل ماتويدي على دور اللاعب الحر هجوميا، خلف كل من دراكسلر، كافاني، ودي ماريا.
لم تكن المفاجأة من لاعبي الأجنحة في هذه الخطة، بل جاءت عن طريق كافاني، المهاجم القوي في الضغط والافتكاك، ليقوم اللاتيني بالربط مع الجناحين وتقوية مثلث الهجوم الباريسي خارج وداخل صندوق العمليات، وهو ما يُخرج تماما وسط الفريق الآخر من المباراة، ويُجبر لاعبيه على التخلي عن الضغط المتقدم، والعودة سريعا إلى مناطقهم من أجل التغطية والرقابة، ما يجعل الأمر هينا أمام دفاع باريس ووسطه، في شكل خروج سلس وسليم بالهجمة من الخط الأول إلى الثلث الأخير.
الصدمة
سارت الأمور بشكل طبيعي واقترب الفريق من مراكز الصدارة بالدوري بعد أن كان بعيدا، وهزم برشلونة بالأربعة في ملعب حديقة الأمراء. كل شيء يتم وفق التوقعات والأمنيات، حتى موعد مباراة الإياب في كتالونيا، والهزيمة القاسية في آخر دقيقة، لتنعدم الثقة بين اللاعبين، ويبدأ إيمري تدريجيا في التخلي عن بعض من قناعاته، ليترك خطة 4-3-3 ويتجه إلى رسم 4-2-3-1 في بعض المباريات، مع عودة قوية للأرجنتيني خافيير باستوري إلى الخانة الأساسية.
تعطي هذه الخطة أفضل شكل ممكن لباستوري، أمام لاعبي الوسط وخلف المهاجم وبين الطرفين، يصنع الفرص ويسجل الأهداف، يقوم بالمراوغة وهزيمة المدافعين واللعب بكل أريحية في منتصف ملعب المنافسين، لكنه لا يعود أبدا للخلف. إنه نجم لا يدافع بطريقة فعالة، ويفضل دائما التواجد بالقرب من المرمى الآخر. ومع تمركز دراكسر ودي ماريا وكافاني بالقرب منه، أصبح باريس يلعب بأكبر عدد ممكن من المهاجمين، لكن دون توازن حقيقي في الوسط، ما يجعل الدفاع ضعيفا أثناء التحولات.
موناكو في المقابل هو أشهر فريق أوروبي يلعب بطريقة الكل في الكل، مع خطة 4-4-2 التي تتحول إلى 4-2-4 في أغلب فترات اللعب، من خلال صعود الجناحين سيلفا وليمار إلى المقدمة برفقة مبابي وجيرمين، بالإضافة إلى تقدم الظهيرين باستمرار. مجموعة تسجل أهدافا بالجملة، لكنها لا تحافظ على شباكها بسهولة، وتلعب بنظام التقسيم بين الدفاع والهجوم، مع وجود مساحات شاسعة خلف لاعبي الوسط، بسبب صعوبة التحكم في الفراغات دون الكرة، خصوصا في مناطق بين الخطوط.
القمة الفرنسية
تواجه باريس وموناكو في نهائي كأس الرابطة، مواجهة نارية بين فرق تلعب من أجل الفوز فقط. حافظ ليوناردو جارديم على نهجه إياه، رباعي دفاعي ثم رباعي وسط وثنائي هجومي، فقط موتينهو مكان الغائب فابينهو. يصل فريق الإمارة بفرص غزيرة وأهداف لا تنسى، لكنه سيئ لأقصى درجة عندما يفقد الكرة، ويعاني بشدة في الشوط الثاني من المواجهات القوية، لأن مدربه يلعب بنسق واحد طوال التسعين دقيقة، ركض ثم ركض دون توقف، ما يتسبب في إرهاق لاعبيه وخروجهم مبكرا من أجواء المباراة في آخر نصف ساعة.
وبالعودة إلى مباريات دوري الأبطال أمام السيتي، سنجد أن موناكو خسر في الذهاب بسبب انخفاض مستواه في النهايات، وقدم شوطا ثانيا سيئا للغاية على ملعبه، وكان يستحق الخروج في مناسبات عديدة لولا رعونة أغويرو وضياع أكثر من فرصة سهلة لهجوم السيتي. وتكرر الأمر نفسه بحذافيره في النهائي المحلي، بداية رائعة وشوط أول متكافئ ثم سقوط غير مبرر في الجزء الأخير من القمة، ليترك المدرب البرتغالي الملعب بأكمله لمنافسه الفرنسي، وتنتهي التسعين دقيقة بأربعة أهداف مقابل هدف.
كان أمام إيمري اللعب بالخطة المفضلة للجمهور، 4-2-3-1 بتواجد باستوري خلف كافاني، والاكتفاء بثنائي محوري في الوسط، لكن الإسباني راهن على الخيار المنطقي وواجه موناكو بذكاء شديد، فأمام فريق بهذه القوة الهجومية، يجب عودة باريس إلى التوازن في جميع الخطوط، وضد منافس يلعب فقط بثنائي محوري في الوسط، عليك فورا الدفع بثلاثة لاعبين دفعة واحدة إلى المنتصف، حتى تصنع التفوق المطلوب في كل صراع، وتحقق موقف 3 ضد 2 في أهم خطوط المستطيل الأخضر، وهذا ما فعله سان جيرمان خلال وداعية الرابطة.
الارتكاز المتكامل
تلعب فرق عديدة بثنائي محوري في المنتصف، ويقوم لاعب مثل كانتي بدور 2 في 1 مع تشيلسي، ليستفيد كونتي من اللياقة الحديدية للاعبه الفرنسي. كذلك تركز أندية الريال والبارسا على تواجد ثلاثة أسماء في المنتصف، لكن مع وجود لاعب واحد أمام الدفاع، كاسيميرو في برنابيو وبوسكيتس داخل كامب نو، لكن الوضع مختلف بعض الشيء في باريس، لأن أوناي إيمري وضع لاعبي الوسط في كافة المراكز بالتبادل خلال المباراة، لدرجة صعوبة تمييز موقع كل من فيراتي وموتا في المنتصف بسبب تقارب المهام على الخارطة الحرارية للمباراة.
يعود رابيو للخلف أثناء الهجوم المنظم لفريقه، ويعطي الفرصة لفيراتي بالصعود والربط المباشر مع دي ماريا ودراكسلر، بينما يصعد اللاعب الفرنسي بالكرة من الوسط إلى الهجوم بنفسه لكسر مصيدة ضغط موناكو، مستخدما سرعته ومهارته في الاحتفاظ بالهجمة. وأثناء تقدمه إلى الأمام، يعود فيراتي قليلا للخلف برفقة موتا لملء التمركز الفارغ، والتحكم في اللعب إذا قطع موناكو الكرة، وبالتالي لعب رابيو وفيراتي في ثلاثة مراكز دفعة واحدة: ارتكاز دفاعي ثم مساند، وأخيرا وسط مهاجم صريح.
هذا على مستوى الاستحواذ والدفاع، بينما أثناء محاولة باريس تطبيق الضغط بالقرب من مرمى منافسهم، فإن موتا يعود بمفرده إلى الخلف بالقرب من دفاعه، ليصعد فيراتي يمينا ورابيو يسارا، لإغلاق زوايا التمرير على الطرفين وفي العمق بالتعاون مع دي ماريا ودراكسلر، وبمجرد الحصول على الكرة، يلعب الإيطالي كراته الماكرة باتجاه منطقة الجزاء، كما حدث في الهدف الثالث لكافاني، الكرة التي قطعها لاعبو باريس ومررها الإيطالي بمهارة إلى إدينسون الذي حولها بسرعة داخل الشباك.
لا يزال أمام إيمري فرصة لإنقاذ ما تبقى من الموسم، بعد تحقيقه لقب الرابطة الفرنسية ومنافسته بقوة على بطولة الدوري، ويبقى عدم انهيار سان جيرمان بعد سداسية برشلونة هو الداعم الوحيد لهذا المشروع، فالهزيمة يجب أن تتعلم منها والنجاح لن يتحقق بسهولة في كل الأحوال.