أمام استمرار هذا الرفض، علمت "العربي الجديد" أن المستشار القانوني للسيسي، محمد بهاء أبو شقة، عقد، أخيراً، اجتماعاً سرياً مع قيادات قائمة السلطة "في حب مصر" التي حصلت حتى الآن على 60 مقعداً في مجلس النواب المقبل، تم خلاله استعراض أسماء المرشحين الفرديين المستقلين المنتقلين إلى جولة اﻹعادة، كما بحث دعم القائمة لعدد منهم إلى حين فوزهم، استعداداً لضمهم إلى صفوف اﻷغلبية البرلمانية بعد انتهاء اﻻنتخابات.
وتشير المصادر أنفسها، إلى أنّ اﻻجتماع ناقش خططاً محتملة عدة لتكوين ظهير سياسي قوي شعبي للسيسي من داخل البرلمان المقبل، بما في ذلك خطة لتحويل القائمة اﻻنتخابية إلى حزب سياسي، ليكون أكثر تأثيراً في المشهد السياسي، وبذلك ﻻ يتكرر فشل رموز القائمة في إقناع المواطنين بالمشاركة في اﻻنتخابات، على الرغم من الدعم اﻷمني والسياسي واﻹعلامي المطلق للقائمة ومرشحيها في دوائرهم.
وتعيد فكرة استمالة المستقلين إلى الأذهان، سياسة الحزب الوطني المنحل في عهد أمين تنظيمه السابق، الراحل كمال الشاذلي، الذي كان يستميل المستقلين الناجحين في اﻻنتخابات، الذين هم خارج الحزب لضمّهم إليه، أو ضمّهم إلى الكتلة البرلمانية إذا كانوا أساساً من أعضاء الحزب الوطني، ولم يخوضوا اﻻنتخابات باسمه.
ويشير مراقبون قانونيون إلى أنّ هناك عائقاً قانونياً أمام تنفيذ هذا السيناريو، باعتبار أنّ قانون مجلس النواب الحالي يمنع تغيير صفة النائب من مستقل إلى حزبي أو العكس. وللتغلب على هذا العائق، بحسب المراقبين أنفسهم، تتجه النية للتحالف مع النواب المستقلين سياسياً تحت قبة البرلمان وشعبياً خارجه من دون تغيير صفتهم الرسمية في المجلس، على أن تدعمهم القائمة في اﻻنتخابات المقبلة إعلامياً في تحركاتهم المختلفة على مستوى دوائرهم.
اقرأ أيضاً: المقاطعة وشرعية الصناديق الفارغة في مصر
وعلى الرغم من أنّ هذا الحلّ يضمن التغلب على العائق القانوني، إلّا أن مصادر سياسية تلفت إلى أنّ هذا النص من قانون مجلس النواب "وارد جداً تعديله" إذ لا يحظى بموافقة الشارع السياسي واﻷحزاب. وتوضح المصادر نفسها، أنّ السيسي لم يوافق حتى اﻵن على فكرة تشكيل حزب جديد وإعادة صياغة صورة حزب "مستقبل وطن" الذي يرأسه محمد بدران، والذي يعتبر جزءا من قائمة "في حب مصر"، وخاض في الوقت ذاته اﻻنتخابات على المستوى الفردي، ويضم العشرات من قيادات الحزب الوطني المنحلّ. وتقوم فكرة تقوية حزب بدران على تغيير قيادته وهيئته العليا، وإصدار صحيفة تابعة له، وتزويده بشخصيات محل تقدير أو معروفة على المستوى المحلي.
وتؤكّد المصادر أنّ السيسي لا يزال قلقاً من فكرة تشكيل حزب سياسي معروف بتبعيته له، نظراً ﻷنه على المستوى الشخصي ﻻ يؤيد بل "ينفر" من فكرة التحزب، وﻻ ينحاز إلى الأنشطة السياسية، ويرى أن اﻷكثر ملاءمة لنظامه، هو الذي يرفع دائماً شعار وحدة الصف الوطني، ويتبنى هيئات جامعة للفئات المختلفة، للشباب أو المهنيين أو العاملين في الدولة، واحتواؤهم داخل الدولة ونظامها السياسي، في صورة قريبة إلى "اﻻتحاد اﻻشتراكي"، وليس تكوين حزب سياسي تقليدي، حتى وإن كان لصيقاً بالسلطة كما كان وضع الحزب الوطني المنحلّ، على حدّ تعبير المصادر.
وعن أثر نتائج المشاركة الضعيفة في اﻻنتخابات على أفكار السيسي بشأن الحشد السياسي، تقول المصادر السياسية، إنّ "ﻻ صوت يعلو في دائرة السيسي القريبة على اﻷصوات الداعية لضرورة وجود ظهير سياسي للنظام، لكنّه لم يعط إشارة البدء حتى اللحظة، واﻷرجح أنّه سينتظر انتهاء اﻻنتخابات".
وكان السيسي رفض أكثر من مرة قبل وبعد توليه السلطة، تشكيل حزب أو اتخاذ حزب قائم حليفاً وظهيراً شعبياً له، ضارباً بعرض الحائط محاوﻻت الأمين السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى ليصبح حزبه "المؤتمر" الحزب الرسمي للنظام. ثم أعطى السيسي الضوء اﻷخضر للجهات اﻷمنية لرعاية حزب "مستقبل وطن" الذي يرأسه صورياً، محمد بدران ويعتمد فيه على عدد كبير من قيادات الصفين الثاني والثالث في الحزب الوطني المنحل، لكنّه أيضاً لم يصبح الحزب الرسمي للنظام.
وتعتبر قائمة "في حب مصر" أقرب تشكيل سياسي لدائرة السيسي الشخصية، إذ أشرف على إدارتها منذ يومها اﻷوّل مستشاره القانوني محمد بهاء أبو شقة وعدد من قيادات المخابرات والأمن الوطني والرقابة اﻹدارية المقربين من مساعدي السيسي. ويرى مراقبون أنّه آن اﻷوان لتتوسع القائمة في دورها السياسي وﻻ تقتصر على انتخابات البرلمان.
اقرأ أيضاً ارتدادات زلزال "المقاطعة" المصري: بدء مسلسل الانسحابات