خطة أمنية لضاحية بيروت: تخفيف العبء عن حزب الله

28 ابريل 2015
الدولة تدخل الضاحية الجنوبية بالتنسيق مع حزب الله(حسين بيضون)
+ الخط -
ضاحية بيروت الجنوبية، أو المربع الأمني والشعبي والسياسي لحزب الله، محاصرة من كل الجهات بآليات عسكرية وحواجز أمنية، مع انتشار غير معلن للوحدات العسكرية والمسلحة في الدولة اللبنانية. ليس في هذا المشهد أي مقدمة لاقتحام عسكري كما حصل في تكريت (العراق)، ولا حصاراً شبيهاً بمخيّم اليرموك في سورية. بل ينطوي الأمر فقط على خطة أمنية يفترض بالدولة اللبنانية تطبيقها على هذه المنطقة أسوة بالمناطق الأخرى، بالتفاهم والتنسيق والتواصل التام مع حزب الله. وتماماً كما سيناريوات الخطط الأمنية التي تم تنفيذها في طرابلس (شمالي لبنان) والبقاع (شرقي لبنان)، بات الجميع يعرف أنّ يوم الثلاثاء، في 28 أبريل/نيسان، ستكون الضاحية الجنوبية مسرحاً لانتشار أمني وحواجز طيّارة بالإضافة إلى حملات دهم بحثاً عن مطلوبين.

أذيع خبر الخطة على شاشات التلفزة ويكاد يتصدر عناوين الصحف، الأمر الذي يدفع مئات المطلوبين إلى التواري عن الأنظار ساعات إلى حين مرور موجة "الوعي الأمني" لدى الدولة وأجهزتها. ولّد الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل هذه الخطة الأمنية، بالإضافة إلى التقارب الحاصل بين الطرفين في الحكومة وسعيهما الثنائي إلى المحافظة على السلطة التشريعية وعدم ووقوعها في فخ التعطيل، باعتبار الحكومة آخر معاقل السلطة والدولة (وتسلمت صلاحيات رئيس الجهورية منذ مايو/أيار الماضي بفعل الشغور الرئاسي). تنطلق هذه الخطة بمشاركة وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، علّها تنجح في إضافة بعض التوازن على السياسة الأمنية التي تتبّعها الدولة، باعتبار أنّ الخطة نجحت في الشمال المحسوب على المستقبل والطائفة السنية، وسبق وفشلت في البقاع المحسوب على حزب الله والطائفة الشيعية.

سبق للضاحية الجنوبية أن عاشت خطة أمنية بعد سلسلة التفجيرات والعمليات الانتحارية التي هزّت معقل حزب الله نتيجة الحرب السورية. ففرضت القوى الأمنية، بالتنسيق مع حزب الله، حزاماً أمنياً على مداخل المنطقة في سبتمبر/أيلول 2013، لا يزال مستمراً حتى اليوم. وينتقل اليوم هذا المسعى الأمني الخاص بمواجهة "الإرهاب" إلى عنوان "ضبط الضاحية" وتنظيفها من تجارة المخدرات وعصابات السرقة.

تستدعي الخطة الأمنية للضاحية الجنوبية خصوصيات ميدانية وسياسية، تتعدّى كون المنطقة خاضعة لحزب الله فقط، إلى كونها "ضاحية" بكل ما للكلمة من معنى. ففي مساحة جغرافية لا تتعدى 15 كيلومتر مربعا، يعيش ما يقارب 800 ألف نسمة، ويبالغ بعضهم بالقول إنّ الرقم يصل إلى مليون، نتيجة النزوح المستمر من الأطراف إلى الساحل. تحوّلت المنطقة تدريجياً إلى خزّان بشري خاص بالطائفة الشيعية، يتقاطع بين ثلاثة أقضية (بيروت وبعبدا وعاليه)، سيطر عليه حزب الله منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وصل إلى الضاحية أهل الجنوب الهاربون من الاحتلال الإسرائيلي ونزح إليها أيضاً أهل البقاع (شرق) الباحثون عن التعليم والطبابة والوظائف نتيجة الفقر وغياب التنمية واهتمام الدولة بمناطقهم في شرق لبنان. فتحوّلت الضاحية إلى "غيتو" صافٍ مذهبياً على أبواب بيروت.

وبفعل الخصوصية الممنوحة للحزب، انسحبت الدولة اللبنانية تدريجياً من الضاحية، فتخلّت عنها أمنياً مصلحته في التسعينيات، ولا يزال الأمر على حاله حتى يومنا هذا، ولو أنّ العمل العسكري تحوّل من فعل مقاوم على الحدود مع فلسطين المحتلة، إلى جيش يخوض المعارك إلى جانب النظام في سورية وحكومة بغداد. سمح انسحاب الدولة من الضاحية لظاهرة نشأة العصابات المسلحة وشبكات الاتجار بالمخدرات وترويجها، بالإضافة إلى تشكيل عصابات سرقة وسطو مسلح وغيره. حتى باتت المنطقة بؤرة فعلية لهذا النوع من العمل غير الشرعي، تحت أعين حزب الله وعجز قيادته الفعلي عن ضبط هذه الظاهرة ومحاربتها. فمن يدير هذه الأعمال عشائر وأبناء عائلات كبرى، من البقاع (شرقي لبنان) وغيره، لا يكمن للحزب مواجهتهم بأي طريقة ممكنة. فهذه العشائر تمسك بالأرض في الضاحية وفي البقاع، لها ناسها وقرارها ووحدتها، مع اعتراف مسؤولين في الحزب بأنّ هذه المظاهر "تحوّلت إلى عبء يتحمّله الحزب"، باعتبار أنّ هذه الأمور تحصل في منطقة تحت سيطرته. حتى أنّ الضاحية شهدت ولادة أول جناح عسكري للعشائر في لبنان، إذ أعلن عن قيام "الجناح العسكري لآل المقداد" في أغسطس/آب 2012. فنظّم آل المقداد في فصيل مسلح خطف عمال سوريين وهدد بالاعتداء على مصالح الدولة التركية، في حال عدم الإفراج عن أحد أبناء العائلة المخطوف في سورية. حتى أنّ شوارع الضاحية تعيش من فترة لأخرى توترات واشتباكات في حرب عشائرية يعجز الحزب عن ضبطها، وكذلك الجيش اللبناني. فتشهد المنطقة حرق محال ومصالح تجارية، بالإضافة إلى إقفال طرقات بقوة السلاح أو نتيجة حدة الاشتباكات بين أبناء العشائر، وهي حالة تكررت أكثر من مرة العام الماضي، انتهت بفرض الجيش منع التجوّل بضع ساعات إلى حين تمّ التفاهم بين العشائر.

تضمّ الضاحية أكثر من حزام بؤس كبير، تحديداً في منطقة حيّ السلم، جنوبي الضاحية، حيث ما يقارب 300 ألف مواطن في أقل من أربعة كيلومترات مربعة. فيستكمل مشهد الفقر مع صورة الخروج على القانون، ويتكامل مع الغطاء الذي يؤمنه حزب الله، بشكل مباشر أو غير مباشر لمجموعات تحكم الضاحية فعلياً بعيداً عن سلطة الدولة. شكّلت المنطقة مقراً فعلياً لحزب الله منذ انطلاقته في الثمانينيات، ففيها خاض الحزب أولى معاركه العسكرية الداخلية، مع الشيوعيين ومع حركة أمل (برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري)، ومنها انطلق إلى العمل العسكري بوجه العدو الإسرائيلي، ليصل اليوم إلى الحدود بين سورية والعراق. تعرّضت الضاحية لعدوان أولي في أبريل/نيسان 1996 خلال "عدوان عناقيد الغضب"، ولدمار شبه كامل في حرب يوليو/تموز 2006. وعاش أهلها خطر السيارات المفخخة بعد وقوف حزب الله إلى جانب النظام السوري، ليتحوّل الخطر الأساسي اليوم إلى عبء العصابات وشبكات المخدرات. حتى أنّ ثلاثي التفجيرات-العصابات-سيطرة حزب الله حرّك منذ العام الماضي حركة نزوح عكسية للسكان من الضاحية إلى مناطق أخرى في بيروت أو حتى باتجاه الأطراف (جنوب أو بقاع). كل هذا يدفع إلى القول إنّ حزب الله بات يواجه عدواً ثالثاً، غير إسرائيل والمعارضة السورية، وهو عدو نما في أحضانه وأرضه وبين أهله.