كلمة صالح تأتي في ظل أوضاع سياسية محتقنة جدا في العراق، مع استمرار التظاهرات الشعبية الساخطة، ودعوات لإقالة الحكومة، وسط تحذيرات من أزمة سياسية قد تعصف في البلاد.
وقال صالح في كلمة متلفزة وجهها إلى الشعب العراقي والمتظاهرين والقوات الأمنية: "أخاطبُكم في هذه اللحظاتِ التاريخيةِ العصيبة، وأؤكد لكم على انحيازي إليكم بمشاعري وعواطفي وجهودي وبكلِّ ما أملكُ من مساحةٍ ودورٍ وقوةٍ أستمدُّها منكم، فأنا معكم في تظاهراتِكم السلمية ومطالباتِكم المشروعة، ومعكم في رفعِ الحيفِ ومحاربةِ الفسادِ، ومعكم بإنصافِ القطاعاتِ المظلومةِ والمهمّشة من أبناء العراق".
وتابع "أخاطبكم وفي الوقتِ نفسِه أخاطبُ الأجهزةَ الأمنية، وهم إخوانكم، هم أنتم وأنتم هم. لستم فريقين متخاصمين. أنتم تعبّرونَ عن مطالبِكم وهم يحفظونكم ويحفظون الأمنَ والنظامَ"، مشددا على أن "دعمُ القوات الأمنية مسؤوليتُنا جميعا.. سيكون من صالحِ الجميع أن ينجحَ المتظاهرون في التعبير بحريةٍ وسلام عن مطالبِهم، وأن تنجحَ قواتُنا الأمنية بمهماتِها في حفظِ الأمنِ العام ومنعِ من تُسوّلُ له نفسُه اختراقَ التظاهرات والإساءةَ لها".
وأكد "ليس هناك حلٌّ أمني.. القمعُ مرفوض. واستخدامُ القوةِ والعنفِ مرفوض. الحلُّ في الإصلاح وفي تعاونِ الجميع، والحكومة مطالبة بأن تكون حكومةَ الشعب كما أشار إلى ذلك الدستور ورسخته تضحياتُ العراقيين".
وأشار إلى أن "المطلوب هو إجراءاتٌ سريعة تقتضيها المسؤوليةُ القانونية لمحاسبةِ المجرمين والمقصرين في استخدام العنفِ المفرط أثناءَ الاحتجاجاتِ الأخيرة وتقديمِهم للعدالة عبر القضاء وحسمِ هذه الملفات بأقصى شعورٍ بالمسؤولية، والعملِ بحرصٍ شديدٍ ودقيق لمنعِ أي محاولةٍ للانفلات الأمني"، مشددا على "أهمية أن يكونَ السلاحُ بأيدي الدولة. نتوقعُ عملاً مضاعفاً من الحكومةِ ومؤسساتِها للشروعِ بتنفيذٍ فعلي لمبدأ حصرِ السلاح بيدِ الدولة، الدولةِ وحدها، وليس بأيدي جهاتٍ منفلتة وخارجة عن القانون. لا أمنَ ولا اطمئنانَ من دون هذا، من دون احتكارِ الدولة وحدها للسلاح. هذا يساعدُنا في ضبطِ الأمن وفي تفادي معاركَ واقتتالٍ ما بين جماعاتٍ مسلحة كلما تنافرت هذه الجماعات واختلفت".
وأشار إلى أنه "في هذا الظرف لا بدّ من عمل استثنائي للبرلمان. البرلمانُ، وهو صوتُ الشعب وقاعدتُه التمثيليةُ الوطنية، ينبغي أن يكونَ أولَ من يتصدى لمطالبِ المتظاهرين، ويعمل على تنفيذها تشريعياً ورقابياً كما يعمل على محاسبة المقصرين والفاسدين"، معلنا "المباشرة بإحالة ملفات فسادٍ إلى القضاء للبت فيها وفق القوانين والأحكام السارية. هذا الموضوع حساس وله أولوية متقدمة، يجب التعامل مع قضايا الفساد الكبرى بمنتهى الشفافية والإخلاص للقانون والحقوق العامة".
وعبّر عن أمله بـ"عمل مشترك ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يتجاوزُ الأطرَ الروتينية ويساعد على إعادةِ تجسيرِ العلاقةِ ما بين السلطات والشعب، وأننا في رئاسةِ الجمهورية باشرنا فعلا عملاً متواصلاً من أجل قانونِ انتخاباتٍ جديد، مقنعٍ للشعب، ويعالج مشكلاتِ القانونِ السابق ويسمحُ بانتخاباتٍ أكثر عدلاً وأشدَّ تمثيلاً لمصالحِ الشعب بما في ذلك حق الترشح للشباب، وبما يحمي أصواتَ الناخبين ويمنعُ محاولات التلاعبِ والتزوير، واستبدال المفوضيةِ بمفوضية مستقلةٍ حقاً، ومن رجالِ القضاءِ والخبراء، وبعيدةٍ تماماً عن التسييس والمحاصصةِ الحزبية، مع إعادةِ تشكيلِ دوائرِها بمهنية وبعيداً عن الحزبية والتسييس"، مؤكدا أنه "نتوقعُ في الأسبوع المقبل تقديمَ مشروعِ القانونِ الذي نعمل عليه بالتعاون ما بين دوائرِ رئاسةِ الجمهوريةِ وعددٍ من الخبراءِ المختصين والمستقلين إضافةً إلى خبراءِ الأمم المتحدة".
وتابع: "كما باشرنا في دوائرِ رئاسةِ الجمهورية برعايةِ حوارٍ وطني للعمل من أجلِ معالجة الاختلالات البنيوية في منظومة الحكم وفق السياقات الدستورية والديمقراطية، يلبي للعراقيين مطلبهم في حكم رشيد يتجاوزون فيه علل وثغرات التجربة الماضية. وأيضاً تساعدنا في هذا العمل نخبةٌ من الخبراءِ والقانونيين الكفوئين والمستقلين"، مؤكدا "سأوافقُ على انتخاباتٍ مبكرة باعتمادِ قانونِ الانتخاباتِ الجديد والمفوضيةِ الجديدة للانتخابات، فشرعيةُ الحكمِ تأتي من الشعب.. ولا بديل عن ذلك".
وأشار إلى أن "رئيسُ الوزراء قد أبدى موافقتَه على تقديمِ استقالتِه طالباً من الكتلِ السياسيةِ التفاهمَ على بديلٍ مقبولٍ وذلك في ظلِّ الالتزامِ بالسياقاتِ الدستوريةِ والقانونيةِ وبما يمنعُ حدوثَ فراغٍ دستوري، وإنني أواصلُ شخصياً المشاوراتِ واللقاءاتِ مع مختلفِ الكتلِ والقوى والفعاليات الشعبية، وذلك من أجلِ إحداثِ الإصلاحات المنشودة وضمن السياقاتِ الدستورية والقانونية وبما يحفظُ استقرارَ العراق ويحمي الأمنَ العام ويعززُ المصالحَ الوطنية العليا".
وشدد على أنه "يقيناً أن الوضعَ القائم غير قابلٍ للاستمرار. نحن فعلاً بحاجةٍ إلى تغييراتٍ كبيرة لا بدَّ من الإقدامِ عليها".
وعلى مستوى ردود الفعل على كلمة صالح، رأى مراقبون أن كلمة الرئيس لم تكن واضحة ومحددة، ولم تتضمن أي حلول سريعة أو مجدولة بجدول زمني محدد.
وقال المتخصص بالشأن السياسي العراقي علي العزاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الكلمة يلفها الغموض ولا توجد فيها أي حلول ملامسة لمطالب المتظاهرين، وإنه لم يؤيدهم بمطلب إقالة رئيس الحكومة، بل تحدث عن أن عبد المهدي أكد استعداده للاستقالة في حال وجود بديل دون تحديد سقف زمني أو ضمانات من قبله (صالح) كونه الراعي للدستور"، معتبراً حديث الرئيس عن انتخابات مبكرة "قد يفهم من قبل المتظاهرين على أنه تسويف لمطالبهم لأن الانتخابات المبكرة والقانون الانتخابي الجديد يتطلبان فترة قد تمتد لعام كامل لإعداد القانون وتغيير المفوضية".
وشدد على أنه "لو كان الرئيس جادا بالاستجابة لمطالب المتظاهرين لدعا لحل البرلمان الذي يترتب عليه إنهاء عمل البرلمان الحالي وإقالة الحكومة المنبثقة عنه وإجراء انتخابات بفترة لا تتجاوز الشهرين مع احتفاظ رئيس الجمهورية بمنصبه لحين انتخاب رئيس الجديد".
مشيرا إلى أنه "لاحظنا أن المتظاهرين يمتلكون وعيا وفهما للدستور والقوانين النافذة، ما يعني أن كلمة صالح لم تلقَ قبولا لديهم"، مرجحا "ازدياد موجة التظاهرات خلال الأيام المقبلة".