خسائر الاقتصاد السوري تفوق خسائر الحرب العالمية الثانية

01 ابريل 2014
الدمار اليومي في سوريا (أ ف ب)
+ الخط -

تضخ الإحصاءات والأبحاث أرقاماً كثيرة حول الوضع الاقتصادي المأزوم في سورية. أرقام تتناقض في بعض الأحيان، لا، بل يشكك كثيرون في صحتها.
وبين خفض الأرقام وتضخيمها، يمكن القول أن الوصول إلى توصيف موثوق للأزمة الاقتصادية السورية يحتاج إلى مسوحات دقيقة لا يمكن إجراءها في ظل حرب طاحنة تزيد معها الخسائر يومياً.
وما يزيد على غموض الأرقام غموضاً، غياب الإحصاءات الرسمية بشكل كامل عن الأزمة الاقتصادية، ومحاولة النظام السوري منع إجراء أية مسوحات تظهر حجم الدمار الذي تخلفه طائراته وبراميله المتفجرة.
تشكيك بالأرقام
يقول الخبير الاقتصادي السورى أكرم الحوراني أن التقديرات تشير إلى أن معدل نمو الناتج المحلي بسورية بلغ في العام الماضي نحو -60%، وفي العام 2012 نحو -35% وفي العام 2011 نحو -15%، فقد بلغت قيمة إجمالي الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الثابتة) نحو 1.500 تريليون ليرة في العام الماضي ونحو 2.498 تريليون ليرة في العام 2012 ونحو 2.847 تريليون ليرة.
وقال حوراني خلال ورشة إعادة الإعمار التي أقامتها كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أخيرا، "إن الأزمة التي تشهدها سوريا، تمخض عنها خسائر هي الأعلى بالتاريخ وتسببت بضرر بالغ للاقتصاد السوري، وقد ترافق ذلك مع فرض عقوبات دولية اقتصادية على سورية، كما كان لعدم الكفاءة في إدارة السياسات الاقتصادية عموما، والنقدية والمالية خصوصا أثر مباشر في الانخفاض الحاد لقيمة الليرة أمام الدولار، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار (بنسبة 250 % خلال الأزمة)، ومعدلات البطالة قاربت 50% حالياً".
إلا أن مستشار اتحاد العمال السابق في سوريا عماد الدين المصبح شكك بصحة الأرقام التي طرحها اقتصاديون أكاديميون في دمشق مؤخراً حول نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي -60% والتضخم 50%، إذ "ليس ثمة تأكيد على صحة البيانات" كما قال المصبح.
وأضاف المصبح في حديث مع "العربي الجديد": "لا يمكن تقييم الأداء الاقتصادي، ومعدلات النمو والبطالة بالأدوات نفسها التي نقيم خلالها الاقتصاد في الظروف العادية. ولا أعتقد أن هذه الأرقام تعني شيئاً في زمن الحرب، بصرف النظر عن تهويلها وتناقضها، لأن إيصال الغذاء وتأمين متطلبات المستهلكين، أهم من البحث في طرائق إصلاح الخلل البنيوي الاقتصادي".
ويعتبر المصبح أن "الحرب" لما تضع أوزارها بعد، فالهدم الذي يجري بشكل "انتقامي وثأري" في سورية الآن، هو هدم للتشكيلة الاجتماعية الراهنة التي استمرت 50 عاماً "وما نحتاجه هو اقتصاد مبني على أسس سوية بعد إنتاج تشكيلة اقتصادية مختلفة عما هو قائم".
أرقام منطقية
من جهته، يعتبر الباحث الاقتصادي سمير سعيفان أنه " كانت قيمة الناتج المحلي الاجمالي بأسعار السوق عام 2010 نحو 2800 مليار ليرة سورية أي نحو 60 مليار دولار بأسعار صرف 2010 ( 47 ليرة سورية للدولار الأمريكي الواحد)".
ويتابع: "بحسب ما ذكره حوراني فأن معدلات النمو خلال السنوات الثلاث للأزمة كانت سالبة وتقدر ب -15% لعام 2011 ونحو -35% لعام 2012 ونحو -60% لعام 2013، وعليه تكون قيمة الناتج في اعوام 2011 نحو 51 مليار دولار وعام 2012 نحو 33 مليار وعام 2013 نحو 13 مليار دولار، أي اصبح الاقتصاد نهاية 2013 يعادل نحو خمس ما كان عليه مطلع 2011".
ويشرح سعيفان لـ "العربي الجديد" أنه "بالتقدير الأولي يمكن أن تكون هذه الأرقام قريبة من الواقع وإن كنت اقدر أن الوضع أسوا مما ذكر والخسائر أكبر، فالنظام امتنع عن اصدار المجموعات الاحصائية منذ 2011 وبالتالي لا يوجد حسابات منهجية يعتمد عليها لذا يلجأ الاقتصاديون للتقدير بحسب خبراتهم".
ويعتبر سعيفان أن نسبة البطالة داخل سورية تفوق ال 50%، وأن معدلات الفقر تفوق نسبة ال 40%.
ويلفت إلى أن "النظام امتنع كما يمنع قيام دراسة واقعية لتقدير الخسائر تقوم على المسح الميداني، وذلك الكارثة الأكبر من الخسائر الاقتصادية هي تهديم المدن والبلدات والقرى عبر القصف الصاروخي والمدفعي والقصف بالدبابات وبالطيران والبراميل المتفجرة".
ويتابع سعيفان: "في جميع الأحوال توجد كارثة كبيرة في سورية بخسائر تفوق تلك التي تحققت في الحرب العالمية الثانية".
وكانت "الأجندة الوطنية لمستقبل سورية" قد أعلنت فى وقت سابق انه يتم قتل 6000 شخص كل شهر، ويهجر كل ساعة 300 شخص، ويصبح 9000 آخرين تحت خط الفقر الأدنى، ويفقد كل يوم 2500 شخص القدرة على تأمين قوتهم، ويخسر كل أسبوع 10000 شخص عملهم. وكل يوم إضافي يخسر الناتج المحلي الإجمالي 109 مليون دولار، وفي كل دقيقة عشرة ملايين ليرة.
ومع تسرّب 38% من الطلاب من المدارس، ووصول البطالة إلى 42%، لم تعد إعادة بناء البنية التحتية هي التحدي الأكبر في المستقبل وإنما إعادة بناء المجتمع والحفاظ على فكرة الدولة والمؤسسات. لأنه، حسب الأجندة الوطنية لمستقبل سورية، فإنه مع كل سنة تستمر فيها الأزمة تتراجع سورية ثماني سنوات في كل المؤشرات الاقتصادية والتنموية.