واصلت قوات النظام السوري قصف مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق، على الرغم من إعلانها وقفاً لإطلاق النار، يوم السبت، في وقت ما زال الغموض يلف الاتفاق الذي أُعلن عنه أخيراً بشأن تطبيق اتفاق "مناطق خفض التصعيد" في الغوطة الشرقية، وما اذا كان يشمل كل مناطق الغوطة، أم يستثني بعضها، بحجة وجود "هيئة تحرير الشام" فيها أو كونها ليست جزءاً من الغوطة، حسبما يقول النظام، مثل حي جوبر الدمشقي. وقد أصيب عدد من المدنيين نتيجة استهداف مدينة دوما وأطرافها في منطقة الريحان بغارتين جويتين، وقصف مدفعي على بلدة جسرين.
في هذا السياق، أفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، بأن "القصف طاول أيضاً بلدة عين ترما التي يسيطر عليها فيلق الرحمن، وجرى استهدافها بست غارات وثمانية صواريخ أرض ـ أرض. وقد تصدت الفصائل الموجودة في المنطقة لمحاولة تقدم جديدة قامت بها قوات النظام والمليشيات المساندة لها، باتجاه عين ترما من محاور عدة، وأحبطت هذه المحاولة". وحاولت قوات النظام اقتحام البلدة منذ أسابيع عدة، تحت غطاء جوي وبري، ومساندة من مليشيات أجنبية، وذلك بهدف فصل حي جوبر عن الغوطة الشرقية، إلا أن "فيلق الرحمن" أعلن تصديه لجميع المحاولات. كما شنّت الطائرات الحربية غارتين على مدينة دوما، الواقعة على بعد 15 كيلومتراً شرق العاصمة دمشق، والتي يسيطر عليها "جيش الإسلام".
وكان النظام السوري أعلن عن "وقف الأعمال القتالية" في "عدد من مناطق" الغوطة الشرقية، من دون أن يسمّيها، اعتباراً من الساعة 12 من ظهر السبت الماضي، وذلك بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية، أنها "حددت آليات وخطوط اتفاق تخفيف التصعيد" في المنطقة نفسها، بوساطة مصرية".
وقضى اتفاق الغوطة الشرقية بـ"وقف الأعمال القتالية ونشر قوات مراقبة، وتسيير أول قافلة إنسانية إلى المنطقة، إضافة إلى إخراج أول دفعة من الجرحى. وأن الاتفاق جاء بعد مفاوضات أجريت في القاهرة بين ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية و(المعارضة السورية المعتدلة)".
وجاءت هدنة الغوطة الشرقية بعد أسابيع من إعلان هدنة مشابهة في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء جنوب سورية، ضمن اتفاق أميركي – روسي - أردني، من المتوقع انطلاق آلياته قريباً، فيما من المتوقع الإعلان عن هدنة مماثلة في مناطق شمال حمص.
وعلى غرار اتفاق الجنوب السوري، لفّ اتفاق الغوطة الشرقية الكثير من الغموض بشأن الأطراف الموقعة عليه، والمناطق التي يشملها بالتحديد، وما إذا كان من بينها حي جوبر الدمشقي، الذي يشكّل امتدادا للغوطة الشرقية، وما إذا كان سيشمل أيضاً المناطق التي تسيطر عليها، أو تتواجد فيها "هيئة تحرير الشام"، المصنّفة كمنظمة "ارهابية"، وهي غير مشمولة بأي اتفاق لوقف إطلاق النار.
وقد أقرّ بهذا الغموض وائل علوان المتحدث باسم "فيلق الرحمن"، أحد الفصيلين الرئيسيين العاملين في الغوطة الشرقية، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "فيلق الرحمن ليس جزءاً من هذا الاتفاق، ولم يكن له أي ممثلين في محادثات القاهرة التي أثمرت عن هذه الاتفاق، وليس لديه بالتالي معلومات مفصلة عنه". وأضاف أن "الاتفاق الجديد يشابه اتفاق المنطقة الجنوبية في غموضه وعدم وضوح آلية تنفيذه إضافة إلى عدم معرفة جنسية القوات التي ستتولى مهمة الفصل بين قوات المعارضة والنظام".
ولفت علوان إلى أن "مناطق جوبر وزملكا وعين ترما يسيطر عليها فيلق الرحمن وحده، وليس فيها أي وجود لهيئة تحرير الشام. ورغم أن فيلق الرحمن من الموقعين على اتفاق أنقرة في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أن نظام الأسد حين يريد اقتحام منطقة ما، فإنه يضع الذرائع، ويزعم وجود فصائل متطرفة، حتى وان كانت غير موجودة. وهذا ما يحدث في الهجمة الأخيرة على جوبر، وحدث قبل ذلك في داريا، مع تدمير نظام الأسد المدينة، وتهجير أهلها بذريعة محاربة تنظيم النصرة، علماً أنه لم يكن يوجد أي عنصر من النصرة في داريا".
وحول الجهة التي وقّعت الاتفاق بالنيابة عن فصائل الغوطة، كرر علوان القول إن "فصيله، فيلق الرحمن الذي يتقاسم السيطرة تقريباً على الغوطة الشرقية مع جيش الإسلام، لم يكن طرفاً في هذا الاتفاق"، ملمّحاً إلى أن "جيش الإسلام هو من وقّع الاتفاق في القاهرة، الذي رعته مصر وأسهم فيه رئيس تيار الغد السوري، الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا".
وأكد علوان "ترحيب فيلق الرحمن بأي جهد يفضي إلى وقف إطلاق النار في الغوطة"، معرباً عن أمله بأن "يتم الضغط الجاد على قوات النظام للالتزام بوقف شامل لإطلاق النار". ورأى أن "الاتفاق يجب أن يكون الخطوة الأولى في طريق حل القضية السورية، وهو حل يبدأ بوقف إطلاق النار ثم تطبيق الاتفاقات الدولية، وأهمها جنيف1، والقرار الأممي 2254، وينتهي بالانتقال السياسي الكامل". واعتبر أن "اتفاق الغوطة جاء ثمرة الاتصالات الدائرة حالياً بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، وهو امتداد لاتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غربي سورية".
وتعثرت مساء السبت، عملية التواصل مع رئيس المكتب السياسي في "جيش الإسلام"، محمد علوش، الذي سبق أن أكد لوكالة "سبوتنيك" الروسية أن "جيش الإسلام موافق على الاتفاق الذي دخل حيّز التطبيق، وستكون هناك نقاط للفصل مع النظام، تؤدي إن شاء الله إلى فك الحصار عن الغوطة وإدخال المواد الإنسانية والمحروقات. وذلك يعتبر جزءاً من الحل السياسي أو تمهيداً للحل السياسي وفق القرارات الدولية".
من جهتها، ذكرت قاعدة حميميم العسكرية الروسية، أن "الاتفاق سيرسم حدود المنطقة وصلاحيات قوى السيطرة باستثناء تنظيم جبهة النصرة". ونفى متحدث باسم القاعدة، أن "يكون اتفاق الغوطة الجديد استجابةً لمطالب المجموعات المسلحة في مدينة درعا، والتي اشترطت توقف هجوم قوات النظام على الغوطة الشرقية لإكمال الاتفاق".
كما قدّم المتحدث الرسمي لتيار "الغد" منذر آقبيق في بيان نشره على صفحته في "فيسبوك" بعض التوضيحات، بشأن هذا الاتفاق، مشيراً إلى أنه "يتضمن وقفا كاملا لإطلاق النار من جميع الأطراف، وعدم دخول أية قوات عسكرية تابعة للنظام السوري أو قوات حليفة له إلى الغوطة الشرقية، وفتح معبر مخيم الوافدين من أجل عبور المساعدات الإنسانية، والبضائع التجارية، وتنقّل المواطنين بشكل عادي. كما قضى الاتفاق بنشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية على نقاط رئيسية في مداخل الغوطة بغية مراقبة تطبيق الاتفاق ووقف إطلاق النار".