خبر جيّد من هناك

16 مارس 2015
+ الخط -
الأخبار العربية السيئة تَتْرَى، كتلٌ من الأسود والأحمر تسدُّ الأفق. لكن، بين هذه الكتل تتسلَّل أخبار جيدة، لا يتسنى لها أن تشكل مشهداً مغايراً، أو تصنع فارقاً يشدُّ الانتباه. من ذلك، مثلاً، تشكيل القائمة الانتخابية العربية الموحدة في فلسطين الـ48. الخبر بحد ذاته مهم، بالنسبة لنحو مليوني عربي فلسطيني بقوا على تراب أرضهم وجعلوا (وسيجعلون دائماً) حلم الدولة اليهودية "الصافية" خرافة، وأكذوبة مثل أكذوبة تحويل الدين إلى قوميةٍ التي صدَّقها العالم، أو أجبر على تصديقها. هؤلاء هم الشوكة في حلق إسرائيل، وهم الدليل الذي لا نحتاجه نحن على أنَّ فلسطين أرض بشعبٍ، ولم تكن تحتاج "شعباً" بلا أرض، وكان يمكن لمن صنعوا "المسألة اليهودية" أن يحلّوها في بلادهم، وعلى الأرض التي ينتمي إليها اليهود، أباً عن جدٍّ، لا أن يصنعوا مسألةً من عدمٍ، هي "المسألة" الفلسطينية.  فلسطينيو الـ48 هم، بهذا المعنى، الدليل الحيِّ والحاسم على اسم بلادهم ووجودها اللذيْن لا يغيرهما اسم ووجود آخران، حتى وإن توسَّدا رؤوساً نووية، وهؤلاء هم الذين قالوا بلسان شاعر الناصرة ومناضلها الراحل، توفيق زيّاد:
"كأننا عشرون مستحيل/ في اللد والرملة والجيل/ هنا على صدروكم باقون كالجدار/ وفي حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار".
لم يكن هذا الوجود الذي ما تمكّنت آلة الاقتلاع الصهيونية اقتلاعه من أرضه، موحداً في العقدين الأخيرين على الأقل، كما هو عليه الآن، أو كما يبدو الآن. فمع إدراك القوى والتنظيمات الفلسطينية وراء "الخط الأخضر" الميل اليميني الكاسح في الشارع الإسرائيلي، ومع تعالي الأصوات الفاشية الداعية إلى طردهم من أرضهم، تداعى قادة تلك القوى الوطنية الفلسطينية التي تشارك في انتخابات الكنيست (وهي ضرورية لكسر دعاوى يهودية الدولة)، لخوض الانتخابات في قائمة واحدة. هذا، حسب علمي، لم يحصل على هذا النحو من قبل، خصوصاً مع الفارق النوعي الذي صار بمقدور الصوت العربي صنعه في معادلة القوى في الكنيست. وهذه القوى التي رفعت قضيتها الوطنية فوق أيّ اعتبار حزبيّ آخر هي: التجمع الوطني الديمقراطي، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الحركة الإسلامية ـ الجناح الجنوبي، والقائمة العربية للتغيير. فلسطينيو الـ48 هم مثل يهود إسرائيل، أقصد يواجهون، مثلهم، سؤالاً وجودياً واحداً مع فارق أن يهود إسرائيل مستعمرون قادمون من كل مكان في العالم، فيما عرب فلسطين هم أصحاب الأرض، بيد أنهم مهدَّدون بالترحيل، أو إجبارهم على العيش، بلا هوية، في دولة الحلم الصهيوني.
الإسرائيليون، على الرغم من خلافاتهم الحزبية أو المنابتية، يظلون متحدين، متراصين، لا يغفلون عن أمنهم دقيقة واحدة، لأنّ هذه الدقيقة قد تكون مكلفة جداً عليهم، فيما أصحاب الأرض الذين يواجهون خطر الاقتلاع، في ظل تصاعد الفاشية الصهيونية، لم يكونوا على هذه الدرجة من اليقظة والمسلك، فتركوا الخلافات السياسية والأيديولوجية، في قضية لا تحتمل الأيديولوجيا، تتحكم بعلاقات بعضهم ببعض، وتطغى على سؤال وجودهم ومصيرهم.
الخبر الجيد أن قوة عربية جديدة يمكن أن تبزغ بعد يومين (18 مارس/ آذار) في قلب السؤال الفلسطيني القديم المتجدِّد، وهذا ممكن، إذا أخذنا في الاعتبار أنَّ الوجود العربي في فلسطين الـ48 يتجاوز 20% من عدد السكان، وهو في تنامٍ يطاردُ التزايد الإسرائيلي من خلال الهجرة. ليس مهمّاً أن تكون هذه القوة بيضة قبان في الكنيست أو لا، وليس مهمّاً أن تكون القوة السياسية الثالثة في الحياة السياسية في إسرائيل، بقدر ما هو مهم الدافع العميق وراء تكوّنها: أن تكون الأداة السياسية لعرب فلسطين 48 في الدفاع عن وجودهم في مواجهة خطر الاقتلاع، في حماية جذورهم وهويتهم.. أهمُّ من كلّ ذلك أنها ستجعل يهوديّة الدولة حديثَ خرافةٍ يا أم عمرو.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن