خان الإفرنج: مركز صيدا التجاري على طريق الحرير

صيدا

خليل العلي

avata
خليل العلي
27 يونيو 2015
+ الخط -


عام 1600 وصل المتصرف العثماني من الشام إلى مدينة صيدا، عن طريق البحر، ليعلن ولاية الأمير فخر الدين رسمياً على المدينة وأقاليمها. وكان الأمير قد اتخذ المدينة البحرية مقرّاً لحكمه، قبل ثلاث سنوات من الإعلان الرسمي، وبنى فيها مسكناً لنسائه، اتخذه الفرنسيون لاحقاً مركزاً عسكرياً ثم تجارياً، عرف باسم "خان الإفرنج". ولا يزال صامداً إلى اليوم يحكي تاريخ المدينة البحرية منذ الحكم العثماني إلى اليوم، مروراً بالانتداب الفرنسي.

وكالة التجار الفرنسيين
تعني كلمة خان الحانوت، أو المتجر، وقد استعملت حينها بمعنى "وكالة"، ارتباطاً بوظيفة الخان التجارية. يتألف الخان من طبقتين و24 غرفة وقاعات كبيرة، تدخله من بوابتين ضخمتين معقودتين بأحجار ضخمة، الأولى مطلة على الميناء والأخرى مشرفة على ساحة باب السراي.

وقد عُرف "خان الإفرنج" كمركز للتجارة، ومقرّ لإقامة التجّار الفرنسيين، خاصة القادمين من مدينة مرسيليا، الذين كانوا يستريحون في رحلاتهم البحرية على طريق الحرير بين أوروبا والشرق الأقصى.

وفي عام 1791، ولأول مرة أثناء ولاية أحمد باشا الجزار على صيدا، أخلى التجار الفرنسيون الخان لاستعماله بعد ذلك في العام 1798 كثكنة عسكرية خلال حملة نابليون على مصر، بعدها سُمح للتجار الفرنسيين بالعودة إليه عام 1802.

تقول تهاني سنتينا، المشرفة على الخان من قبل "مؤسسة الحريري" التي ترعاه منذ سنوات، إنّ شهرة الخان لم تقتصر على التجار قديماً، بل شملت أيضا استقبال وفود "الفرنجة" الزائرة من توسكانا في إيطاليا وفرنسا وغيرهما، إضافة إلى استخدامه اسطبلاً لخيل كبار الوافدين والتجار، وكمخزن كبير للبضائع، ولا سيما في الطابق السفلي منه، حتى أن دائرة المعارف الإسلامية كانت تعرف الخان تحت إثم "الخان الفرنساوي".

ويتألف الخان من ثلاثة أقسام، هي منزل القنصل الفرنسي، وسمي البيت القنصلي، وقد تحوّل إلى مستشفى ثم إلى مدرسة، والخان الكبير المستطيل الشكل تقام فيه معارض تجارية، وخان صغير يقع جنوب غربي الخان الكبير ويتصل ببيت القنصل وكانت فيه بئر ماء، كما يوجد سلّمان حجريان يقودان إلى السطح، حيث كان التجار يصعدون للتنزه والترفيه ورؤية البحر واستنشاق الهواء، من دون أن يخرجوا من الخان. أما على جوانب الساحة الكبيرة فتنتشر أروقة مسقوفة ومعقودة تطلّ عليها عدّة غرف، تمّ تشييدها على الطراز التوسكاني، كدليل على النهضة العمرانية التي شهدتها صيدا في عهد الأمير فخر الدين، فضلاً عن فنون البناء التي تميّز الخان.

وتضيف سنتينا: "تملّكت الدولة الفرنسية "خان الإفرنج"، فاستعمل أوّلاً كمقرّ للقنصل الفرنسي في صيدا، ثم أصبح ثكنة أثناء حملة بونابرت على مصر، ثم ديراً للراهبات ومدرسة للأيتام، بعدها استعمل مشغلاً للخياطة، وحالياً يستعمل المبنى الملحق بالجهة الشمالية كمدرسة، كذلك توجد كنيسة ملحقة بالخان في الجهة الشمالية الشرقية أقيمت عام 1856.

حاضر الخان
صار الخان اليوم مركزاً ثقافياً فنياً حديثاً لمدينة صيدا وجوارها، حيث تقام فيه المهرجانات الفنية والثقافية والمؤتمرات والندوات والحلقات العلمية المتعددة، وفي قاعته الرئيسية المرممة تقام المعارض التراثية والحرفية، كمعارض الرسم والتصوير والطوابع والمنحوتات، ومعارض المنتوجات الزراعية، فضلاً عن بعض النشاطات الصناعية والتقنية، أما في الصيف فهو يستضيف العديد من الفرق المسرحية والموسيقية والفلكلورية معيداً للمكان حيويته.

وقد استقطب الخان الفنانين التشكيليين الذين دوّنوا مسيرته بالريشة والألوان الزيتية، ولا تزال أعمالهم تدلّ على التفاعل الاجتماعي بين الشرق والغرب في تلك المرحلة.
كذلك يوجد مكتب تابع لوزارة السياحة بهدف مساعدة السائحين على معرفة تاريخ الخان والثقافات التي عاصرها... إلى جانب مؤسسة "أناملنا" والتي تساندها مؤسسة الحريري، لتمكين المرأة من استخدام مواهبها في حياكة الصوف وأعمال التطريز وغيرها.

كما تمّ تجهيز ستّ وحدات من غرف الخان للإيجار، وهو أجر رمزي، تشجيعاً للوفود السياحية والثقافية، وتضمنت باقي الوحدات غرفاً خاصة في بيت المحترف اللبناني، لإقامة المعارض وذلك دعماً من المؤسسة للمواهب الشابة الطامحة لمستقبل أفضل، إضافة إلى وحدات خاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية كقاعات تُعنى بعرض أشغال يدوية تراثية لبنانية.
ليس "خان الإفرنج" وحيداً، ففي صيدا العديد من الخانات، إلا أنّه بالتأكيد أكبرها، ومن أهمّها، نذكر منها "القشلة القديمة"، و"خان المطرانية"، و"خان الشاكرية"، و"خان اليهود"، و"خان أباظة"، والخان "الفرنساوي" الذي يمتاز بأنه ضخم ومربع الأضلاع والزوايا، وطول الجانب منه مائة وخمسون قدماً. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الخانات حملت اسم البضائع التي كانت تخزّن فيها، مثل "خان الصابون"، و"الدباغة"، و"الحمص"، و"خان الرز".


إقرأ أيضاً: لبنان: رمضان يضيء صيدا
دلالات
المساهمون