الشاب خالد ورشيد طه وفُضيل: الحفل مستمر منذ 20 عاماً

01 ابريل 2018
(فيسبوك)
+ الخط -


قبل عشرين عامًا، وفي قلعة باريس بيرسي تحديدًا، يجتمع على الخشبة ثلاثة من نجوم الراي الجزائري في فرنسا؛ الشاب خالد، ورشيد طه، والشاب فُضيل، ليقدّموا ثلاثاً وعشرين أغنية من أفضل ما لديهم، تداولوا على المنصّة بأداءٍ فردي وجماعي (صولو، ديو، تريو)، ورقصوا بتناغم على وصلات من أشهر أغانيهم الرايوية، إلى جانب أدائهم مقاطع من التراث الجزائري والكلاسيكي، حيث دوّت في سماء باريس أغنية "دي دي"، و"عيشة"، و"وهرن وهرن رحتي خسارة".

ما زال ريبرتوار الذاكرة الشعبية الجزائرية يحتفظ بتفاصيل حفل "واحد، اثنان، ثلاث شموس" الذي أحياه الثلاثي عام 1998 حتى اليوم، بل حتى الذاكرة العربية أيضًا ما زالت تستحضر عددًا من أغاني الحفل في أفراحها ومناسباتها، وإلى غاية اليوم ما زالت شوارع كثير من العواصم العربية تتنفّس عبر مقاهيها وأزقّتها وأفراحها أغاني "يا الرايح وين مسافر" و"يا المنفي"، و"عبد القادر يا بوعلام".


موسيقى لا تشيخ

ربّما يعود سرّ بقاء هذه الأغاني على قيد الإنصات لعقدين من الزمن إلى موسيقاها وإيقاعاتها أو كلماتها، أو ربّما إلى صوت الفنان وطريقة أدائه لها والتسويق الإعلامي الذي حظي به، أو ربّما إلى كل ذلك مجتمعًا. فلو عدنا إلى أغنية "عبد القادر يا بوعلام" التي أدّاها الشاب خالد وأصبحت اليوم تشكّل جزءًا من المخزون الغنائي العربي، لوجدنا فيها ذلك الامتداد الروحي بين المشرق والمغرب.

تنسب مصادر كثيرة كلمات الأغنية إلى الشاعر الشعبي الجزائري عبد القادر بطبجي (1948 – 1971)، وهي أغنية من الموروث الصوفي المغاربي، فيها يناجي صاحبها الشيخ الصوفي عبد القادر الجيلاني (الكيلاني) الذي ولد في العراق، وهو إمام حنبلي يلقّب في المغرب بالشيخ بوعلام الجيلاني، إذ يستنجد به ويذكر روحانياته وآثاره ومناقبه في القصيدة.

إضافة إلى الامتداد التاريخي والثقافي بين المشرق والمغرب لأغنية "عبد القادر يا بوعلام"، استطاعت هذه الأغنية أن تشكّل جسرًا موسيقيًا بين جميع الثقافات الغنائية العربية، ولم يعدّ مستغربًا أن تجد هذه الأغنية في أحد الأعراس الأردنية أو الفلسطينية أو المصرية، إذ إن هذه الوصلة مستوحاة من الغناء الشعبي الجزائري ذي الأصول الأندلسية، الذي تستعمل فيه آلات موسيقية تستجيب لطبيعة هذا الطابع المتفرّد؛ حيث ترتكز على آلة الموندول التي تشبه آلة العود في شكلها الخارجي، لكنها صُمّمت في الجزائر في الثلاثينيات بأوتار معدنية بطلب من عميد الأغنية الشعبية الحاج محمّد العنقي خصّيصًا لتتناغم مع الطابع الشعبي، وأدرج فيها ربع النغمة لتقترب من بعض الطبوع الغنائية، مثل الغناء القبائلي.

على ذكر هذا الامتداد الموسيقي العربي، طرح العام الماضي الشاب فُضيل ألبومًا جديدًا بعد غياب طويل عن المشهد الفنّي، كان من أبرز أغانيه ديو مع الفنان الفلسطيني محمّد عسّاف بعنوان "راني"؛ حيثّ أبدى الشاب الفلسطيني مهارات صوتية عالية في أغنية الراي، سواءً من حيث النبرات الصوتية التي تستدعي مناورات خاصّة بفنّ الراي، أو من حيث نطقه للكلمات المحليّة الجزائرية والكلمات الفرنسية، وكانت النتيجة هذا التمازج الموسيقي الذي لا تكاد تفرّق فيه أحيانًا بين الصوتين أثناء أدائهما معًا.


الراي جزائري أم مغربي؟

يحتفظ جيل ما قبل الألفية الثالثة بشيء من روح ذلك الحفل الذي غنّى فيه الشاب خالد كما لم يغنّ من قبل، ويذكر كيف تجاوب بانفعلاته وحركاته مع الجمهور، وكيف كان يتقلّد دور قائد الأوركسترا المصرية التي رافقته  بأداء تمثيلي. ما زال يذكر دوران الشاب فُضيل وقفزات رشيد طه على المنصّة، وإيماءات الشباب فيما بينهم وهم يتناوبون على الغناء بتناغم وروح معنوية عالية، غنّوا تلك الليلة حتّى تصبّبوا عرقًا واضطروا لتغيير ملابسهم في استراحاتهم القصيرة.

وراء كواليس حفل "واحد، اثنان، ثلاث شموس"، يدخل المغنّي البريطاني ستينغ وهو يصفّق إعجابًا للثلاثي الرايوي، ويبدي إعجابه بأدائهم على الركح. قبلها، يتحدّث ثلاثتهم في مقابلة تلفزيونية خلف الستار عن أغنية الراي؛ حيث يؤكّد الشاب خالد أن أغنية الراي ولدت في الغرب الجزائري، ويستدرك أنّ فن الراي يمتدّ من الحدود الجزائرية المغربية بين مدينتي وجدة ومغنية إلى منطقة الصومام (ولاية الشلف غربي الجزائر)، موضحًا أن مدينة وجدة المغربية شهدت شكلًا من أشكال بدايات الراي وهو طابع البدوي، على حدّ قوله.

يُحيلنا هذا الطرح القديم الجديد، إلى الجدل القائم اليوم حول تبنّي أغنية الراي بين الجزائر والمغرب، حيث يجري تسابق محموم بين البلدين لتصنيفه ضمن التراث العالمي كفنّ يختصّ به كل بلد لنفسه؛ إذ قدّمت الجزائر، العام الماضي، طلبًا رسميًا إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة لاعتماد أغنية الراي تراثًا عالميًا غير مادي، في وقت أشيع أن المغرب تسعى نحو ذلك، قبل أن تنفي الرباط أنّها قدّمت ملفًا مماثلًا، خاصّة بعدما منح ملك المغرب الجنسية المغربية لعدد من فناني الراي الجزائريين، على رأسهم الشاب خالد والشاب فُضيل.


الراي، الرياضة، الأيديولوجيا

وراء كواليس "واحد، اثنان، ثلاث شموس"، يتحدّث الشاب خالد: "أغنية الراي في وهران لم تكن وليدة الصدفة، لكن لها بدايات وجذور يجب ألا ننساها". ويستشهد خالد بالفنان رشيد طه الذي يغنّي شكلًا آخر من الراي مستوحىً من الأغاني العاصمة الجزائرية التي أعادها بنَفسٍ مختلف، وحوّلها إلى طابع معاصر.

هنا، يتدخّل الشاب فُضيل الذي كان يبلغ من العمر 20 عامًا حينها، ويدلي برأيه حول أغنية الراي؛ إذ يقول إن الراي في الجزائر كان إلى وقت قريب أحد التابوهات؛ لأن موضوعه الرئيس كان عن الحبّ والخمر، ولم يكن متاحًا أن يقف مغنّي الراي أمام جمهور عريض في القاعات والساحات العمومية، إذ كانت هناك جملة من العوائق، لكنه لم يصادفها بفضل عدد من فناني الراي ومن بينهم الشاب خالد، الذي كان سفيرًا لهذا الطابع الموسيقي إلى عدد من دول العالم عبر جولاته الفنية، على حدّ تعبيره. يعرّج الشاب فُضيل على تجربته الفنيّة ومرافقته للشاب خالد في عدد من الجولات الفنية منذ كان في الخامسة عشرة، غير أنه يعترف بعدم لقائه بالفنان رشيد طه إلا في هذا الحفل.

من جهته، يُحاول رشيد طه الذي كان في الأربعين من عمره آنذاك، أن يبرز التداخل بين فنون الغناء المغاربية، ويؤكّد أن الهجرة إلى أوروبا ساهمت بشكل كبير في تمازج الغناء والموسيقى المغاربية. يشير، أيضًا، إلى أنه في كثير من الأحيان ما كان الفنان الجزائري يتعامل مع منتج مغربي أو تونسي والعكس؛ فالهجرة، بحسب رأيه، أدت إلى تلاحم الجاليات على الصعيد الفنّي أيضًا.

"واحد، اثنان، ثلاث شموس"، هو ألبوم مباشر كان من توقيع ذلك الحفل، صدر الألبوم بعد ذلك في العام الموالي مقسّمًا على قرصين، أنتجهما ستيف هيلاج، وأصدرتهما شركة باركلي. جاء هذا الحفل بعد شهرين أو أزيد بقليل من فوز فرنسا بكأس العالم بقيادة مهاجم الفريق زين الدين زيدان ذي الأصول الجزائرية. هنا، يعتبر الكاتب الفرنسي أنطوان هرموت، أن هذا الحفل أوّل حوار ثقافي فرنسي مع المغرب العربي، ويربط تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا بشكل رمزي ووثيق بتساقط نجوم الراي، مقارنة بالفترات السابقة الماضية.

المساهمون