حُبّ في زمن الحكومة المغربية

29 ابريل 2015

الحكومة المغربية مع الملك محمد السادس (6 أكتوبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

منذ شهر، ولا حديث للمغاربة إلا عن الوزير الذي يريد أن يتزوج امرأة ثانية، والوزيرة التي قبلت أن تكون ضرة. عابت قطاعات واسعة من الرأي العام على الحبيب الشوباني وزير العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني إقدامه على التعدد، وإن كان القرار شخصياً والزواج من ثانية أو ثالثة أو رابعة جائز قانوناً وشرعاً، والتعدد لا يمثل في عدد الزيجات كل سنة في المغرب سوى 0,2%، وهذا معناه أن القاعدة الاقتران بزوجة واحدة، وأكثر هو الاستثناء، والناس العاديون مصدومون من وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، سمية بن خلدون، وكيف اختارت أن تكون ضرة وزوجة ثانية، وهي المتعلمة والموجودة اليوم في كرسي الوزارة، وقد رأى الناس في هذه السابقة كسراً لأعراف سائدة، واستيراداً لنموذج اجتماعي خليجي، يعدد فيه الرجل زيجاته من دون حرج.

عندما يختار المرء أن يدخل السياسة، وأن يتحمل المسؤولية، وأن يمسك بالسلطة، فهذا امتياز وشرف له ضريبة، والضريبة أن تراعي مشاعر الناس، أن تزهد في الحلال قبل الحرام، أن تراقب سلوكك، لأنك تحت الأضواء الكاشفة، أن تتنازل عن حقوقك قبل امتيازاتك. لهذا يعزف عن الوزارة سياسيون كثيرون في الغرب، لأنهم غير مستعدين للتضحية بنموذج حياتهم وعاداتهم، ولا يقبلون أن يوضعوا في (إكواريوم) السلطة، طوال أربع أو خمس سنوات، يفضلون العيش في الظل مع خصوصياتهم.

إذا أراد الإسلاميون المغاربة أن يديروا الشأن العام، وأن يصبحوا في موقع التأثير، وأن يقودوا البلاد، عليهم التخلي عن عادات البداوة وفقه الصحراء وتقاليد المجتمعات المنغلقة، والمرجعيات السلفية التي لا ترى مانعاً في أن يقود الرجل زوجته إلى بيت ضرتها، لتخطبها له، أو أن يقبل تعدد الزوجات كما يقبل تعدد البذلات في خزانة ملابسه. ليس التعدد من ثقافة المغاربة، وعندما يقع، فإنه يصدم الأسر في بلاد أفتى فيها زعيم الوطنية وقائد الإصلاح الديني، علال الفاسي، قبل نصف قرن، بجواز منع تعدد الزوجات في قانون الأسرة، على غرار ما فعلت تونس منذ الخمسينات.

عندما وضع المشرع المغربي قيوداً على تعدد الزوجات، واشترط إذن المرأة الأولى قبل عقد القران على الثانية، وهو شبه مستحيل، فهذا معناه أن جوهر قانون الأسرة اتجه إلى وضع قيود على الأمر، وجعل التعدد استثناء على القاعدة. ولهذا، على الوزراء أن يجسدوا روح القوانين، لأنها تعبير عن إرادة الأمة وثقافة الشعب ومشروع تحديث المجتمع.

وقد خصصت، الأسبوع الماضي، جريدة لوموند الفرنسية افتتاحية عددها لقصة الزواج الحكومي هذا، واستغربت كيف أن نسبة تعدد الزوجات في المجتمع 0,2٪، في حين أن النسبة وسط الحكومة 6%، أي صورة نعطي للغرب وللعالم عن المغرب وحكومته؟

تقول أستاذة القانون، لطيفة بوحسيني، تعليقا على قصة الزواج الحكومي هذه: "إذا كان هناك من عتاب، أو لوم، فيجب أن يوجه إلى الوزيرة، لافتقارها إلى التعاطف مع الزوجة الأولى التي ستشعر بأنها تعرضت للإذلال والإهانة. سمية بنخلدون استفادت من مبدأ المناصفة، ومن ثقافة حقوق المرأة، لتصل إلى موقع المسؤولية. والآن، تخون هذه المبادئ، وتعود بقضية المرأة إلى الوراء".

هذه أول مرة يجد فيها الإسلاميون في المغرب أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع ثقافة قطاعات واسعة من المجتمع، وإذا كان إسلاميو حزب العدالة والتنمية قد عبروا، في السابق، عن درجات عالية من الاندماج السياسي والتكيف الأيديولوجي، عندما قبلوا أن يتصرفوا محافظين ديمقراطيين، وليسوا أصوليين منغلقين، وأن يتقدموا لخدمة المجتمع كما هو، من دون زعم تغييره، حتى إن بنكيران عرّف نفسه، مرات، على أنه مسلم وليس إسلامياً. لكن، في حالة الوزيرين، الشوباني وبنخلدون، خسر حزب المصباح نقاطاً كثيرة في ساحة الإصلاح الاجتماعي.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.