وبات حي جوبر الدمشقي، الذي بدأت فيه مظاهرات مطالبة بإسقاط النظام في وقت مبكر من عمر الثورة السورية، "لعنة" لدى قوات النظام التي جرّعها هذا الحي كأس الهزيمة عديد المرات، حتى بات البعض يطلق على جوبر تسمية "ستالين غراد" سورية، في إشارة إلى المدينة الروسية التي صمدت أمام الألمان في الحرب العالمية الثانية.
ويقع حي جوبر شرقي العاصمة دمشق على بُعد مئات الأمتار من ساحة العباسيين الشهيرة، التي لطالما رنت إليها عيون الثائرين على النظام في عام 2011، لتكون مكان اعتصام، في محاكاة لاعتصام المصريين في ميدان التحرير في القاهرة، إلا أن قوات النظام ارتكبت مجزرة منتصف عام 2011 بحق متظاهرين حاولوا الوصول إلى العباسيين انطلاقا من جوبر.
وتنبع أهمية حي جوبر أيضا من كونه ملاصقا لمنطقة الزبلطاني القريبة من حيي باب توما والقصاع، اللذين تقطنهما أكثرية مسيحية في العاصمة دمشق، كما يمتد الحي حتى كراجات العباسيين شمالا، ومنطقة الدباغات جنوبا.
وتبلغ مساحة جوبر كيلومترين وثمانمائة وستين مترا، وكان عدد سكانه قبل عام 2011 يربو على ثلاثمائة ألف نسمة، إلا أن هذا العدد تقلص كثيرا خلال سنوات الثورة، حيث تشير مصادر محلية إلى أن عدد سكان الحي الآن بضعة آلاف "يعيشون ضمن ظروف صعبة"، حيث القصف الجوي والمدفعي المتواصل الذي أدى إلى مقتل أكثر من ألف من سكان الحي، فضلا عن تدمير نحو 80% منه، حيث دمّر طيران النظام أغلب مرافقه الحيوية، من مراكز صحية ومدارس ومساجد وأسواق.
سيطرت المعارضة السورية المسلحة بشكل كامل على حي جوبر في بداية عام 2013، فتحوّل منذ ذاك التاريخ إلى جبهة قتال لم تهدأ، حيث وقفت قوات النظام وحزب الله ومليشيات طائفية ومحلية عاجزة أمام صلابة المدافعين عن الحي وجلهم منه، وتكبدت هذه القوات خسائر فادحة في الأرواح، حيث قُتل أشهر ضباطها على جبهة جوبر التي تحولت إلى مقبرة لهذه القوات، وهذا ما يفسر إصرار النظام وحرصه على إخضاع الحي بكل الوسائل.
ويؤكد مؤرخون أن بداخل حي جوبر أقدم كنيس يهودي في العالم، يحتوي على أقدم نسخة توراة معروفة، فيما يعتقد المسلمون بوجود مقام الخضر فيه.
ويوجد في الحي العديد من المساجد المعروفة في دمشق، أشهرها مسجد جوبر الكبير الذي بجانبه "مقام" الأصمعي عالم اللغة العربي المشهور، ومسجد الصحابي الجليل حرملة بن الوليد (شقيق خالد بن الوليد)، وجامع العمادية الذي يعد من أقدم مساجد الحي، كما يضم الحي مباني تعود للعصر العثماني.
ومن المرجح أن القصف الجوي والمدفعي دمّر أغلب هذه الأوابد التاريخية في حي جوبر، الذي يتعرض اليوم لحملة عسكرية لإخضاعه من قبل قوات النظام.