حين كانت سيناء ميداناً للبطولات لا الكوارث
(أعتذر بشدة عن تأخري في نشر قراءةٍ، كنت وعدت بها للوثائق الإسرائيلية السرية في حرب أكتوبر، والتي صدر جزؤها الأول مترجماً إلى العربية، عن المركز القومي للترجمة أخيراً. وأشكر القراء الكرام الذين ذكّروني وعاتبوني على التأخير، وأتمنى أن يجدوا في هذه السطور شيئاً يذكّرهم بالأيام التي كانت مصر مشغولة فيها بالبحث عن النصر والكرامة، بدلا من انشغالها بتبرير الهزائم والتعايش معها، بل وصُنعها إن لزم الأمر. وليأذنوا لي أن أقول، ربما كان في هذا التأخير "خيرة"، هي السعي إلى عدم التعامل مع حرب أكتوبر بوصفها حدثاً موسمياً، خصوصاً أن قراءة وثائق القيادة السياسية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر تكشف لنا الكثير عن طريقة تعامل الإسرائيليين مع الهزيمة، بشكل جعلهم يخففون كثيراً من آثارها، بل ويستفيدون منها في المستقبل، بينما لم تنجح مصر في تطوير النصر والحفاظ عليه، بل وفرّطت فيه سياسياً وعسكرياً، وهو ما أوصلنا إلى هذه الأيام اللعينة التي تستأذن فيها مصر من إسرائيل، قبل أن تحرّك قواتها على أرض سيناء، وتقوم طائرات إسرائيل باختراق الأجواء المصرية، بدعوى مساعدة مصر في البحث عن ضحايا طائرة روسية منكوبة، وتشكر الصحافة الإسرائيلية نظام عبد الفتاح السيسي، لأنه منح صوت مصر لمصلحة إسرائيل في أحد محافل الأمم المتحدة لأول مرة).
(1)
في الثامنة من صباح السادس من أكتوبر عام 1973، اجتمع كبار قادة إسرائيل العسكريين والسياسيين، في مكتب رئيسة الوزراء غولدا مائير، لمناقشة تكهنات أثيرت عن احتمالات توجيه مصر وسورية ضربة عسكرية إلى إسرائيل في ذلك الوقت. والحقيقة أن قراءة وقائع تلك الجلسة سيزيد من تقديرك قيمة ما جرى يوم السادس من أكتوبر عام 1973، حين ظهرت نتائج خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذت بدقة شديدة، إلى درجة جعلت المخابرات الأميركية بضخامة إمكاناتها، تبلغ الإسرائيليين عدم اقتناعها بأن المصريين يتأهبون فعلاً لشن حرب على إسرائيل.
وعلى الرغم من ورود معلومات مؤكدة عن تحركات مكثفة للمدفعية السورية على الحدود، وتسارع وتيرة ترحيل عائلات الروس المقيمين في مصر، بالإضافة إلى معلومات وردت من العميل (تسفيكا) عن تغيير مقرّات الرئيس ومساعديه داخل مصر، إلا أن مسؤولي الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت لديهم قناعة راسخة بأن مصر لن تجرؤ على المبادرة بضرب إسرائيل، لأنها لا تملك طائراتٍ يمكن لها قصف العمق الإسرائيلي، ما جعل قائد الإستخبارات العسكرية، اللواء إلياهو زعيرا، يرفض اقتراح رئيس الأركان الإسرائيلي، الفريق دافيد إليعازر، بضرورة إعلان حالة التعبئة، واستدعاء جميع احتياطي سلاح الطيران، واستكمال جميع الوحدات النظامية، وهو ما كان سيغير الكثير قطعا، لو كان قد حدث، كان رئيس الأركان يعتقد أن مجرد إعلان تلك القرارات في وقت مبكر سيفقد العرب ميزة المفاجأة، بل إنه اقترح تصعيد الموقف بتوجيه ضربة وقائية في الثانية عشر من ظهر يوم 6 أكتوبر إلى سلاح الطيران السوري، لتدميره بأكمله، ثم البدء بعدها في القضاء على منظومة الصواريخ السورية خلال 30 ساعة.
اعتبر مساعد وزير الدفاع، الفريق تسفي تسور، أن ذلك الإقتراح خطير، لأنه سيصيب الإقتصاد الإسرائيلي بالشلل، وسيضع الوزارات المسؤولة عن توفير الغذاء والوقود في حالة صعبة. وغولدا مائير وافقته الرأي، ووصفت الضربة الوقائية المقترحة بأنها "أمر رائع"، لكن "العالم لن يتفهمها، هذه المرة يبدو العالم في أسوأ صور الخسّة، فلن يصدقونا". أما وزير الدفاع، موشي ديان، فقد رفض إعلان التعبئة العامة للاحتياط، موصياً باستدعاء احتياطي سلاح الطيران وفرقتي احتياط للمنطقتين الشمالية والجنوبية فقط، وترك الباقي لتطورات الأمور، أما رئيس المخابرات العسكرية فقد تحدث بثقة شديدة، قائلا إن جهازه يعلم كل شيء عن خطة المصريين والسوريين للحرب، ويدرك أنهم جاهزون تكتيكياً وعمليا للحرب، مضيفاً: "لكن، في اعتقادي أنه على الرغم من استعدادهم، فإنهم يعلمون أنهم سيخسرون. السادات حالياً في وضع لا يضطره إلى دخول حرب، كل شيء جاهز عنده. ولكن، ليست هناك ضرورة للحرب، كما أنه يعلم أن ميزان القوى لم يتحسن".
سألته غولدا مائير: "سبق للسادات أن حدد تواريخ وأصدر تصريحات، فهل الأمر مختلف هذه المرة"، فأجابها مؤكداً أن الأمر مختلف بالطبع، لأن السادات لم يصدر الأمر بالهجوم، وحتى لو تراجع في آخر لحظة وأصدره، فسيكون بمقدور إسرائيل أن تؤثر فيما ينوي الإقدام عليه، عن طريق اللجوء إلى الأميركان لتحذير السادات من شن أي هجوم، لأن إسرائيل مستعدة له، وأنه لا يملك عنصر المفاجأة، مضيفاً بعنجهية: "الوضع هنا مختلف تماما مقارنة بما كان في عام 1967، فهذه المرة هو متأهب تماماً. ولكن، يستحوذ عليه الشعور بأنه سيخسر، قد أكون مخطئاً في ذلك، لكنه يعلم أن موازين القوى لم تتغير".
بعد قليل، أصر رئيس الأركان على رغبته في إصدار قرار عاجل باستدعاء احتياطي سلاح الطيران وقوات الإحتياطي الخاصة بالوحدات النظامية وأربع فرق احتياط والخدمات المعاونة لها، بحيث يبلغ إجمالي عدد المُستدعين من 100 إلى 120 ألف رجل باحتياجاتهم، ليعارضه وزير الدفاع، قائلا إنه يريد أقل من نصف هذا العدد، رافضا إعلان حالة التعبئة العامة، ومطالباً بالتركيز فقط على سلاح الطيران، وحين قال له رئيس الأركان: "لكن، غداً لن يستطيع سلاح الطيران مهاجمة خطوط العدو"، رد وزير الدفاع مهوناً من خطورة ذلك، ومؤكداً أن إعلان التعبئة في أثناء الحرب ليس إجراء سهلاً، لكنه ولكي يضع لنفسه خط رجعة، قال إنه ليس مصراً على موقفه.
تدخلت غولدا مائير محاولة رفع معنويات الجميع بقولها: "ليس عندي سوى معيار واحد، وهو لو نشبت الحرب فعلاً، يجب أن نكون في أفضل وضع على الإطلاق. أما بالنسبة إلى الخارج، لو وقعت الحرب، فليغضبوا كما يشاؤون، فالمهم أن يكون وضعنا جيداً للغاية، لن يستطيع أحد أن يُحصي عدد الذين استدعيناهم، يجب أن نحسن التفكير، ثم نتخذ القرار. إذا نشبت الحرب، فلنكن في أفضل الأوضاع على الإطلاق. لن نستطيع تبرير الضربة الوقائية، لكن هذا الأمر سيكون محل نظر على مدار اليوم، لو بدأ المصريون الحرب، ولن ينضم السوريون لها، سنضرب السوريين أيضاً، وبعدها اختتمت المناقشة في التاسعة وعشرين دقيقة من صباح السادس من أكتوبر، بتكليف رئيس الأركان بإعلان التعبئة العامة، لكن ذلك الإعلان كان بحاجة إلى ثماني ساعات على الأقل، لكي يحقق أثره العسكري، ليثبت، بعد ساعات قليلة من نهاية الإجتماع، أن يقين الإسرائيليين باستحالة شن المصريين والسوريين الحرب كان وهما كلفهم الكثير.
(2)
في اليوم التالي لإندلاع الحرب المفاجئة على الجبهتين، المصرية والسورية، وتمكن الجيش المصري من عبور خط بارليف الذي أقنع الإسرائيليون العالم بأنه لا يُقهر، عقدت القيادة الإسرائيلية سلسلة اجتماعات، كان أولها في التاسعة من صباح يوم 7 أكتوبر، حضره مسؤولين سياسيون وعسكريون، لم يكن بينهم وزير الدفاع أو رئيس الأركان أو رئيس المخابرات العسكرية. بدأ محضر الإجتماع بعبارة قالها اللواء أهارون ياريف: "هناك مشكلة مع صديقنا كيسنجر في كيفية كسب الوقت"، ليظهر من عبارته أنه يستأنف حديثاً سبق الإجتماع عن إتصالات مكثفة عقدت مع وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر، لمساندة الموقف الإسرائيلي دولياً، في الإجتماع أضاف الوزير ييغال ألون إن كيسنجر شكا من الضغوط التي يمارسها العرب على الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تعوق قدرته على المناورة، ليقترح ياريف ضرورة إرسال شخصية مناسبة إلى الولايات المتحدة، لشرح الوضع العسكري لكيسنجر، مقترحاً شخص إسحاق رابين الذي قال إن موشي ديان أيّد اختياره. وهنا علقت غولدا مائير متسائلة بغضب: "أريد أن أسأل ماذا يعنينا في انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوف يستمر الإنعقاد عدة أيام، كل سيلقي كلمته، ولا أعتقد أن الأمر ينبغي أن يسير على هذا النحو"، ليعلق أكثر من مشترك عن أن وقف إطلاق النار ليس في مصلحة إسرائيل "التي ترغب في توجيه الضربات للمصريين والسوريين، حتى يتم استئصالهم"، خصوصاً أن الوضع العسكري سيتغير خلال 24 ساعة، كما أكدت غولدا مائير بكل ثقة. وبالتالي، اتفق المشاركون على أهمية أن يتم إطلاع كيسنجر على حقيقة الوضع، من دون مبالغة أو تهوين. بالطبع، يمكن من قراءة المحضر ملاحظة أن الحديث كان دائماً يدور عن كيسنجر بصفته الشخصية، وليس عنه وزير خارجية لدولة إسمها أميركا، أو حتى عن حكومته. وبالطبع، لم يخيب كيسنجر الآمال التي علقها عليه قادة إسرائيل، وكان قدها وقدود.
حين طلبت غولدا مائير في ذلك الإجتماع من إسحاق رابين أن يقدم لها تقييما للوضع، بوصفه عائدا للتو من غرفة العمليات، قال لها كلاما مهما يلقي الضوء على طريقة سير المعارك في الجانب المصري، وكيف لم يتم استثمار حالة المفاجأة التي بدأت بعد لحظات العبور، وكان مما قاله الآتي: "عبر المصريون في الجنوب، وهناك نقص في قوات المدرعات المصرية، هناك جُسور، غير أنه ليس واضحاً، لماذا لا تعبر القوات المصرية بالمدرعات، فمن الناحية العملياتية قواتنا لا تعوقهم، إذ لم يتبق من اللوائين الإسرائيليين سوى ثلث عدد الدبابات. أصبح المصريون، بقوات المشاة وأسلحتهم المضادة للدبابات، يسيطرون تماماً على طول خط القناة بنقاطه الحصينة. ولن تصل الدبابات الإسرائيلية إلا في وقت متأخر، وستكون فرقة بيرن أول من تصل إلى تلك المنطقة. وصلت 20 دبابة إلى هناك، ولم يُدفع بها للقتال حتى الآن، وسلاح الجو الإسرائيلي هو حاليا من يمتلك الحل في الشمال وفي الجنوب، غير أن هناك مرحلة تشهد أموراً كثيرة غير مستحبة، وهذا سيكون حتى سماء اليوم، إنني على يقين بأنه مع حلول المساء، ستصل 200 دبابة أخرى إلى الجبهة الجنوبية، ومعدل استدعاء القوات والدفع بتعزيزات من الدبابات مستمر بشكل جيد للغاية، غير أن هناك نقصاً في الأطقم... أقام المصريون مواقع عسكرية أمامية تحتوي على مئات الدبابات، على الجانب الثاني من القناة، إلا أن الصورة غير واضحة بالقدر الكافي، وما دامت الأمور غير مستقرة، سيكون من الصعب علينا أن نعرف".
وحين قال إيغال آلون إن الحل الآن بالنسبة لإسرائيل يتمثل في قصف سلاح الطيران حائط الصواريخ المصري، اختتمت غولدا مائير الحديث في الإجتماع، مشيرة إلى خطأ حالة الثقة التي تم الإستسلام لها أمس، وكان الانفعال متغلباً عليها إلى درجة أضعفت قدرتها على التعبيير عن أفكارها بوضوح: "إذا ما واجهنا وضعا كهذا مرة أخرى، لا قدر الله، علينا ألا نكترث لموقف العالم، وأن نعطي الجيش زمام المبادرة. أمس، كنا جميعا مجمعين في هذا الشأن على عدم توجيه ضربة وقائية، بالأمس، وكأنما مضى عليه شهر، وقتها قال لي دادو: وفّري لي الإمكانية. في النهاية، وهذا أمر مهم، نحن نحظى بصورة جيدة عند الأميركيين فقط، وعلى الرغم من ذلك، لم يفلح كيسنجر في الحصول على تأييد دولتين أو ثلاث دول أخرى، حتى يطالب بوقف إطلاق النار، وبأن يعودوا إلى مواقعهم".
(3)
الوثيقة السرية التالية التي تتوفر لنا قراءتها، هي محضر جلسة مشاورات عقدت يوم 7 أكتوبر في الواحدة وأربعين دقيقة ظهرا، وضمت غولدا مائير، ومساعد وزير الدفاع، تسفي تسور والعميد يسرائيل لينور، حيث تحدث تسور عن توجيه طلب للأميركان بالحصول على قوائم طويلة من المستلزمات العسكرية، من أهمها 40 طائرة فانتوم وحاملات دبابات، لكن الأميركان ظلوا يتلكأون في الرد، وهو ما حاول الحاضرون التفكير في حلول عاجلة له، حتى يتاح لرابين الحديث مع كيسنجر مباشرة، كما تم الإتفاق عليه في الإجتماع السابق، قبل أن يتحدث مساعد وزير الدفاع عن إندهاشه من عدم تأثر حالة الإقتصاد الإسرائيلي بالحرب، كما كان يتوقع، حيث إن "حالة الإقتصاد أفضل مما كانت عليه خلال حرب 1967"، قائلا بثقة مشوبة بالحذر هذه المرة: "ليس هناك مؤشر ينم عن وجود نقص في العتاد الحربي في الميدان، إذا ما انتهت الأمور خلال أسبوع، فلن نعاني من أي نقص، أما أكثر من ذلك، فستكون هناك مشاكل".
بعد هذا الإجتماع بساعة، عُقدت جلسة مشاورات أخرى بالغة الأهمية، حضرها إلى جوار غولدا مائير مسؤولون، في مقدمتهم نائب رئيس الوزراء، إيغال ألون والوزير يسرائيل جاليلي ووزير الدفاع موشيه ديان ووكيل أول وزارة الخارجية أفراهام كيدرون. كان ديان عائدا لتوه من الجبهة الجنوبية، بعد أن زار الجبهة الشمالية قبلها، اعترف أن الوضع ليس جيداً، وأن هناك قتلى وأسرى، وأن أعدادهم ستزيد، لكنه أكد عدم تشاؤمه وأمله في الثبات، ثم بدأ في سرد تصور للوضع، حاول أن يجعله بشدة عقلانياً وعملياً، ليمكن، من خلاله، مواجهة تدهور الموقف في الجبهة الجنوبية، وكان من بين ما قاله: "أقترح أن نصدر أمراً الليلة بإخلاء المواقع التي لا أمل في الوصول إليها، حصن بودابست لا يقع في منطقة مفتوحة. لذلك، لا أنصح بالإنسحاب منه، أما الأماكن التي يمكن إخلاؤها فسنخليها، والأماكن التي يستحيل إخلاؤها سنُبقي المصابين، ومن يمكنه الوصول فليصل، وإذا قرروا الإستسلام فليستسلموا، ينبغي أن نبلغهم: إننا لا يمكننا الوصول إليكم، حاولوا كسر الحصار أو استسلموا، هناك مئات من الدبابات المصرية أصبحت موجودة في الضفة الشرقية، وأي محاولة للوصول إلى تلك المواقع هي بمنزلة سحق للدبابات، ينبغي لنا أن نُخلي ذلك الخط من دون أمل في الرجوع إليه، بل الإنسحاب إلى خط المضايق، الحرب ستستمر، لخط ممر متلا مزايا، لكن أيضا عيوب، أما خط القناة فلا أمل فيه".
وقبل أن يوجه إليه أحد اللوم أو السؤال، قرر ديان أن يبادر بنقد ذاته وأدائه في اليوم السابق للحرب، قائلا: "ليس هذا هو الوقت المناسب لمحاسبة النفس، لم أقدر جيدا قوة العدو، ولا قدرته القتالية، بينما بالغتُ في تمجيد قواتنا وقدرتها على الصمود. العرب يقاتلون بشكل أفضل بكثير من قبل، لديهم أسلحة كثيرة، وهم يصيبون دباباتنا بأسلحة خاصة، أما الصواريخ فتشكل مظلة منيعة لا يمكن لسلاحنا الجوي سحقها، ونسبة نجاح إصابة تلك الصواريخ 70%، لكنهم في هذه الليلة سيأتون بصواريخ جديدة، ولست أدري إن كان الوضع سيختلف جذرياً أم لا، لو أننا كنا قد وجهنا ضربة استباقية، وإليكم تعداد القوات، كما هي عليه الآن وصباح الغد: في الجبهة المصرية لدينا 800 دبابة، وللمصريين 2000 دبابة. للسوريين: 1500 دبابة ولنا 500 دبابة. في الجو: لنا 250 طائرة وللمصريين 600 وللسوريين 250، ولديهم الحماية المتمثلة في الصوايخ، وليس هذا الأمر في صالحنا".
وبنبرة شديدة التشاؤم، واصل موشي ديان تقييمه الخطير الموقف على الجبهتين، المصرية والسورية، قائلا: "المشكلة المستقبلية تكمن في أمرين. أولاً، لن يوقف العرب الحرب (ستلاحظ في الإجتماعات المختلفة أن ديان يستخدم كلمة العرب، ولا يحدد الجنسيات إلا حين يتحدث عن جبهات القتال بالتحديد)، وإذا أوقفوها ووافقوا على وقف إطلاق النار، فقد يستأنفونها من جديد. وحينئذ، ستكون الحرب على أرض دولة إسرائيل، وإذا انسحبنا من هضبة الجولان، لن يجدي ذلك نفعا. ثانياً، هناك مشكلات في العتاد، يجب أن نلجأ للأميركيين، إذ ينبغي أن نشتري 300 دبابة، كما نحتاج مزيداً من الطائرات، لديهم عتاد في أوروبا، ستنضم إلينا أيضا أطقم دبابات، يجب أن نكون مستعدين لحرب طويلة، ولا أعتقد أننا، بهذه الخطوط، سيلزمنا الحفاظ على أرض إسرائيل نفسها".
وهنا، يقرر موشي ديان استغرابه الشديد من أن العرب لم يهاجموا حتى بالأسلحة التقليدية المناطق المأهولة بالمدنيين (في هذا الموضع بالذات، حذفت الرقابة العسكرية الإسرائيلية ست كلمات، ربما كانت تشير إلى المناطق التي تشكل موضع خطورة على إسرائيل لمن أراد ضربها)، قبل أن يطلب ديان من القادة الحاضرين ألا يأملوا في إمكانية شن هجوم مضاد على العرب، قبل أن يضيف بانفعال، وهو يتحدث عن بطولات المقاتلين المهزومين: "الوضع الآن يحتم علينا وجوب الحفاظ على أرض دولة إسرائيل، إذا حاولوا احتلال مدينة النفط، لن يمكننا منعهم من ذلك، كل ما يملكه اليهود وزعناه، حتى أطقم الدبابات والطيارين، لا توجد بوفرة، سيسقط أفراد كثيرون. أرسل المصريون أسرانا حاملين الرايات، لإقناع أحد مواقعنا بالإستسلام، تكبدنا مئات الخسائر في الأرواح، وهناك أسرى كثيرون، كل من فقدناه سواءا دبابة أم فرد كانوا في أثناء القتال الضاري حتى آخر لحظة. دفعنا ثمن القتال بشرف، في سيناء وفي الجولان، هاجم المصريون والسوريون بأسلحة ذاتية، وأصابوا مدرعاتنا، تلك رؤيتي الصادقة، وهكذا أرى الأمر، كميات الأسلحة لديهم مؤثرة والميزة الأخلاقية لدينا لا تصمد أمام تلك الجحافل".
لكن، كيف رد القادة الإسرائيليون على هذه الرؤية القاتمة والمريرة التي قدمها لهم موشي ديان؟، هذا ما سنقرأه في الأسبوع المقبل بإذن الله.
belalfadl@hotmail.com