حياة في مذياع

15 اغسطس 2015
لا أعرف إن كان الشعور عبئاً على صاحبه (Getty)
+ الخط -

رجل: أنت لم ترها. كانت ترتدي فستاناً شفافاً. لم أقصد أن أرى شيئاً. لكنّه فاتح. ربما عادت من البحر للتوّ. قلتُ في نفسي هذا شأنها. خزّنت صورتها في رأسي وأطلت النظر. وقلتُ إن هذا شأني أيضاً. لن تعرف شيئاً. أو ربما تغضب لأنني أهملتها. نحنُ الرجال نظن أننا قادرون على جذب جميع النساء أو غالبيتهن. والنساء لا يغضبن حين ننجذب إليهن. هذا اتفاق ضمني بيننا.

آخر: لماذا تخبرني هذه القصة؟ لا يعنيني أن تعبر فتاة مخيلتك.

رجل: كنتُ ضعيفاً. فتاةٌ بثوب شفاف كانت قادرة على خطفي من الواقع.

الثاني: أتحنّ إلى الواقع إذاً؟

يصمت طويلاً. يعود إليها. جمدت في مكانها تنتظره أن يغير مكانها، يضعها على الشرفة. يحبّ تأثير الشمس عليها. عيناها نصف مغمضتين بين شروق وغروب، لا تراه جيداً. وهذا أجمل ما قد يحدث له.

آخر: الخيالُ مثل الشعر، نقرأه لنظن أن الأشياء أجمل مما هي عليه، وكلما رأينا بشاعتها، عدنا لنكذب على أنفسنا. يصف الشاعر عينيها وفمها وشعرها. ليست كذلك. ستقول لي إنها عينه. وأقول لك إنه مجرد تبرير. على كل حال، هذا ليس موضوعنا. يحزنك أن تشعر بالضعف، أو أن تكون شاعراً. حسناً. كن شاعراً لدقائق ثم اقتله. بعدها كن ما شئت.

رجل: ها أنا أقتل الشاعر، لا أعرف ماذا أكون بعد ذلك. صرت لا شيء تمر إلى جانبه لا شيء. لا أعرف إن كانت ترتدي فستاناً أو بنطالاً، لستُ متأكداً إن كانت حلوة أم لا. هل أكون قوياً الآن؟

آخر: أنت أقدر عن الإجابة.

رجل: لا أعرف إن كان الشعور عبئاً على صاحبه. لكن في اللاشعور، أحس أنني سأقع دائماً. لا صفة لي. ماذا لو تلامسَ جسدانا؟ هل ينتهي الأمر عند هذا الفعل؟

الفتاة: أنت تقول ما لا تكتبه. وفي العادة، نكتب ولا نتكلم، نفضل الاختفاء. نبرر فعلنا بالضعف وأشياء أخرى. ها أنا أمامك. فلتنظر إلي إذا كنت أعجبك. لا داعي لأن تكون وقحاً. الشعرُ أكثر تهذيباً من الواقع. بعدها عد إلى حياتك. لا قصة تستحق أن تروى. فقط ومضة تشبه نجمة تصر على الظهور قبل أن تغيب الشمس تماماً. تطل وتختفي، لنتلاقى وتختفي بعدها.

***

يقرأ المذيع نشرة الأخبار. البلاد ليست على ما يرام. كعادته، يستمع الرجل إليه بإذعان. مرت أمامه ولم يرها. كان ثوبها شفافاً، بدت مثل موجة. رفع صوت المذياع. كان يطرد العالم من حوله. لطالما ظن أن الحياة هي في مذياع، وقتل الشاعر.
آخر: أخيراً اقتنعت أن الشعر قد مات، سيقضي حريق ضخم على جميع الدواوين، وفيروس على ما خُزّن داخل الكومبيوتر. وستسمع الخبر عبر المذياع.

اقرأ أيضاً: عالقون في الماضي