حمّام السمرة في غزّة.. حكاية ألف عام وعام

غزة

علاء الحلو

avata
علاء الحلو
13 ديسمبر 2014
+ الخط -

يعود بك التاريخ ألف عام إلى الوراء حين تخطو قدمك داخل أروقة "حمام السمرة" الأثري، شرق مدينة غزّة، والتي يكسوها عبق التاريخ وأصالة الحضارة الفلسطينية القديمة، والشاهدة على الغزوات والمعارك التي شهدتها فلسطين على مر مئات السنين.

"حمام السمرة"، والذي يعتبر ثاني أكبر معلم أثري في قطاع غزّة بعد الجامع العمري الكبير، أحد أهم المعالم المعمارية العثمانية في فلسطين، ويعتبر أحد النماذج المذهلة للحمامات العثمانية، يقع في منطقة "غزة القديمة" شرق مدينة غزة، وهو الحمام الوحيد الذي ما زال يعمل حتى الآن.

سرداب طويل يهبط بك من الخارج الى أرضية الحمام التي تقابلها ساحة مفتوحة مزيّنة بقبّة فيها فتحات مستديرة مزينة بالزجاج الملون الذي يسمح للضوء بالنفاذ، ينتقل منها الشخص الى الغرفة الدافئة التي تهيّئه للدخول الى "المغطس" الساخن.

أرضية الحمام زُيّنت بالمداور الرخامية والمثلثات والمربعات ذات الألوان المختلفة، وقد كُتِب على لوحة رخامية فوق إحدى مداخل الحمام أنه تمّ ترميمه في أوائل العهد المملوكي على يد "سنجر بن عبد الله المؤيدي" عام 685 هجري، ولم ترد أي وثائق تاريخية توضح تاريخ إنشاء الحمام.

يُدمن رواد الحمّام التاريخي، الذي تكسوه الملامح العربية والشامية الأصيلة، من كلا الجنسين على زيارته بشكل دوري، معتبرين المكان معلماً هاماً لإزالة الهموم التي علقت بهم جراء الواقع الصعب، علاوة على تجديد نشاطهم والأمراض التي يعانون منها.

"تعود ملكية الحمام الى آل الوزير، ويقدّر عمره بنحو ألف سنة"، بهذه الكلمات بدأ سليم الوزير حديثه لـ"العربي الجديد"، والذي يدير الحمام منذ 45 عاماً، ويضيف: "يزور الحمام كافة أطياف الشعب، بمختلف أعمارهم، وتتزايد الأعداد يوماً بعد الآخر".

ويتابع أبو عبد الله (64 عاماً): "ساهم مسلسل باب الحارة السوري بزيادة أعداد زوار الحمام، بعد أن عكست الأجواء الحقيقية للحمام التراثي، كذلك ساهمت وسائل الاعلام في توعية المواطنين حول أهمية المرافق التراثية، ولم يعد يقتصر على كبار السن، وزادت نسب الشباب والفتيات، وقامت بعض العائلات بعمل زفّة العرسان داخله".



ويعمل الحمام، الذي تقدّر مساحته بـ500 متر، ثلاث فترات في اليوم، الصباحية للرجال وفترة الظهيرة للنساء والفترة المسائية للرجال، ويتم ترميمه سنوياً أو وقت الحاجة على أيدي مهندسين متخصصين، وأصبح يُدَرّس في المناهج الدراسية الفلسطينية كأحد المعالم الأثرية الهامة.

ويقول أبو عبد الله إنّ فوائد الحمام تشمل جميع أعضاء الجسم لمتوسط حرارته العالية والتي تصل إلى 60 درجة مئوية، حيث تبدأ الفائدة من فروة الرأس مروراً بالقصبة الهوائية والدورة الدموية والعظام، كذلك يساعد على الانجاب عند الرجال والسيدات، ويزيل الرطوبة من الجسد ويقوي المناعة، وأصبح يوصي به عدد من الأطباء.



ويضيف المُسنّ أن الحمام يعتبر مزاراً للوفود الأجنبية ووفود المؤسسات الدولية، ويقول: "يزداد عمل الحمام بعد الحروب والنزاعات، لأنه يساهم بشكل كبير في تحسين الحالة النفسية والجسدية"، لافتاً الى أن هذا النوع من الحمامات ازدهر في العهد الاسلامي.

ويتابع: "أداوم يومياً في الحمام، وأصبحت أعتبره جزءاً مني، ولم ينفعني في كبر سني بعد الله سواه"، موضحاً أنه يمثل الحضارة الفلسطينية وعاداتها وتقاليدها، ورمزاً من رموز غزّة التي يجب المحافظة عليها وحمايتها من الحروب والأوضاع غير المستقرة".

الزائر الدائم في الحمام، جهاد الأيوبي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه اعتاد على الاغتسال في الحمام منذ 27 عاماً، كذلك تزوره زوجته وأبناؤه بشكل متواصل، ويضيف: "أصل للحمام مرهقاً وحالتي النفسية سيئة، لكن بعد خروجي منه أشعر بأنني استعدت نشاطي وحيويتي".

ويعتبر الأيوبي أن "حمام السمرة" التاريخي مفخرة تاريخية للفلسطينيين الى جانب المسجد العمري الكبير ومتحف قصر الباشا والأعيان الأثرية التي تشتهر بها غزة، ويقول: "عَلّمت أطفالي على حب الأماكن الأثرية التي تمثّل جذورنا وماضينا وحاضرنا".

وتبقى المعالم التاريخية شاهدة على ماضي الفلسطينيين وواقعهم والاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة التي تهدف الى تهويد الأماكن التراثية وشطب الهوية الفلسطينية التي أثبتت قوتها وصلابتها، ولسان حال الفلسطينيين "سيبقى مسجد كاتب ولاية الأثري ملاصقاً لكنيسة برفيريوس الأثرية".

دلالات
المساهمون