حملة متصاعدة من الأمن الفلسطيني لتكميم الأفواه في ظل الطوارئ وأزمة كورونا

27 اغسطس 2020
تكثفت الاعتقالات بحقّ منتقدي السلطة في ظلّ حالة الطوارئ (وسام هشلمون/الأناضول)
+ الخط -
رغم تأكيد رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، مراراً على احترام حكومته حرية الرأي والتعبير، ووصفها بصورة أثارت تهكم المواطنين بـ"الإشعاع الديمقراطي"، والتشديد بالقول حرفياً بداية حالة الطوارئ، "إن حالة الطوارئ لمواجهة كورونا وليست ضدكم أنتم"، مخاطباً الصحافيين، لكن ما يحصل على أرض الواقع ينفي تأكيدات اشتية، ويؤكد أن الأجهزة الأمنية التي يترأسها كوزيرٍ للداخلية تنفذ حملة محمومة وغير مسبوقة ضد من ينتقد الفساد في السلطة الفلسطينية، أو خطواتها في مواجهة جائحة كورونا.
ومن تلك الحملة تمديد حالة الطوارئ منذ ما يقارب ستة أشهر، خلافاً للدستور، كون أن الدستور الفلسطيني لا يمنح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إمكانية تمديد حالة الطوارئ، إلا بإعلانه مرة ولثلاثين يوماً فقط، ولثلاثين أُخرى بعد أخذ موافقة ثلثي المجلس التشريعي، الذي حلته المحكمة الدستورية نهاية عام 2018، بصورة مخالفة للدستور، فما الذي يحصل للحقوق والحريات العامة في فلسطين؟
قرابة اثنتين وأربعين شكوى تخص ملاحقة منتقدي السلطة الفلسطينية والتعبير عن الرأي سجلتها ملفات الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان
قرابة اثنتين وأربعين شكوى تخص ملاحقة منتقدي السلطة الفلسطينية والتعبير عن الرأي، سجلتها ملفات الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم الفلسطيني"، منذ بداية العام الحالي، وهنالك العديد من الشكاوى الموثقة أيضاً لدى المؤسسات الحقوقية، في إشارة خطيرة وغير مسبوقة لما يتداوله نشطاء وحقوقيون بالوصف، بأنه "انقضاض" واضح على حرية الرأي والإعلام التي كفلها الدستور الفلسطيني، من قبل السلطة الفلسطينية، تنفذها على الأرض الأجهزة الأمنية.
"ما بال الأجهزة الأمنية علينا"، يتساءل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومواطنون في أعمالهم ويلاحقون أرزاقهم، ويخشون ملاحقة الأمن الفلسطيني، إذا ما نبسوا ببنت شفة ضده.
يقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في جنوب الضفة الغربية، المحامي فريد الأطرش لـ"العربي الجديد: "إن ما جرى وما يجري اعتداء وانتهاك لحرية الرأي والتعبير في الضفة الغربية، من خلال استدعاءات واعتقالات وملاحقات، ونأمل أن تتوقف الأجهزة الأمنية عن ملاحقة أي مواطن على خلفية الرأي والتعبير، بما فيها انتقاد السلطات العامة، وهو في أصله غير مجرم، ولا يجب تجريمه، وغير  مخالف للقانون الفلسطيني، ولا المعايير والمواثيق الدولية".
لكن رغم محاولة بعض الحقوقيين وقف الاعتقالات على خلفية حرية الرأي والتعبير، واستنكار الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين يخشون اعتقالاً لاحقاً، فإن الاعتقال يحصل، وتمديد الاعتقال كذلك، وإذا ما تم الخروج يكون ذلك رهنًا بكفالة مالية، وربما يتم التحول من الاعتقال بسبب إبداء الرأي الذي كفله دستور الفلسطينيين، إلى المحاكمة التي تعني بُداً وجود تهمة، على خلفية حرية الرأي والتعبير، وهذه إحدى التحولات الخطيرة في نزع الشرعية الدستورية، وتحويل ما كفلته القوانين الفلسطينية والمواثيق الدولية إلى تهم وجرائم تتبعها المحاكم والقضاء المكلف بحماية حقوق المواطنين.
بعد ثلاثة أيام على اعتقاله من قبل جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في الخليل جنوب الضفة الغربية، تم الإفراج اليوم الأربعاء، عن الناشط ضد الفساد نزار بنات، وهو يسكن مدينة دورا غرب الخليل، بكفالة مالية قدرها ألفا دينارٍ أردني، وبتهمتين الأولى تتعلق بـ"صعوبات مالية"، والأُخرى "ذم السلطة على وسائل التواصل الاجتماعي".
يقول المحامي مهند كراجة من مجموعة "محامون من أجل العدالة" لـ"العربي الجديد": "إن قضية الناشط نزار بنات، أمام طريقين بعد الإفراج عنه، إما أن يتم حفظ ملفه فقط، أو تعيين جلسة محاكمة له".
ويتابع كراجة، "إن السلطة على ما يبدو تخشى من المطالبات الاجتماعية للمواطنين بإصلاح حياتهم، بل ما تخشاه أكثر أن يرتفع سقف المطالبات إلى التغيير والإصلاح السياسي".
ورغم اختلاف الشكل الذي ينتقد فيه المؤمنون بحرية رأيهم في نقد السلطة التي يستوجب أن تمثلهم، فإن ذلك لا يُحدث فرقاً في تخفيف الملاحقة أو إبطاء الاعتقال، فالمخرج والفنان عبد الرحمن الظاهر من نابلس شمال الضفة الغربية، معتقل منذ قرابة عشرة أيام، بعد نقده فساداً في السلطة بطريقة أرادها فنية، لكن الأجهزة الأمنية الفلسطينية أرادت لردها أن يكون تعسفياً ومخالفاً لدستور وجب أن ترعاه، بدلاً من مخالفته بهذا الشكل الصارخ.
يذهب الخبير في الشؤون القانونية والحقوقية عصام عابدين، لأبعد من ذلك في شرح قصة هذه الحملة المحمومة، بالقول، لـ"العربي الجديد": "إن الدستور الفلسطيني أصبح خارج حسابات السلطة الحاكمة، نتيجة التدهور الحاصل في النظام السياسي ككل، وحل المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي من المفترض أن يمارس بالإضافة إلى دوره التشريعي، دوره الرقابي على أداء السلطة التنفيذية وأجهزتها، وإن التدهور الخطير يمتد إلى تدخلات السلطة التنفيذية الفجة في مفاصل القضاء ومنظومة العدالة، خاصة في عهد المجلس الانتقالي غير الدستوري، وهذا يدلل أن حملة الأمن لا تستهدف فقط حرية الرأي للأفراد، بل استقلال القضاء، فالقضاة أنفسهم باتوا يحالون للتحقيق والتأديب وإلى المنازل أيضاً على خلفية التعبير عن الرأي، في ظل أجواء بوليسية".
ويتابع عابدين: "ذلك سببه الفشل المتراكم في التعامل مع تبعات جائحة كورونا، في مختلف مستوياتها، سواء الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وما يتعلق برواتب الموظفين وارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة وغياب الحماية الاجتماعية، ولا توجد خطة لدى الحكومة ولا حلول، وإنما انتقال من فشل لآخر، وما تفعله أنها تتعامل مع الفشل بتمديد الطوارئ، وانتهاك حرية التعبير، والاعتقالات التعسفية، ونحن أمام مفترق طرق خطير".
ويؤكد عابدين على "وجوب قيام القيادة الفلسطينية، بإصلاحات جادة في النظام السياسي، وفي القضاء الذي بدونه لا يمكن حماية الحقوق والحريات، وحل المجلس الانتقالي غير الدستوري، وتشكيل مجلس قضاء دائم يشكل درعاً حامياً للقضاة والحقوق دون تدخل أو تأثير من السلطة التنفيذية والأمن، وتعزيز حالة حقوق الإنسان، وملاحقة الفساد وجرائمه، والذهاب الفوري لانتخابات عامة تشريعية ورئاسية، بدل تعميق حالة التآكل وغياب الشرعيات الحاصل في النظام السياسي الفلسطيني، بفعل غياب التفويض الشعبي الفلسطيني، وانتهاء صلاحية هذا النظام، وغياب الانتخابات العامة".
ومن الجدير ذكره أن اعتقال بعض النشطاء، مثل نشطاء حملة "طفح الكيل" مؤخراً، جاء بذريعة الحكومة الفلسطينية خرقهم البروتوكول الصحي بالتجمع خلال جائحة كورونا، رغم قيام القيادة الفلسطينية بتنظيم مهرجانات جمعت المئات رغم فرض حالة الطوارئ في مواجهة كورونا.
المساهمون