شهد ريف حمص الشمالي، المحاصر من قبل القوات النظامية والمليشيات الطائفية والموالية، حملة تشجير شاركت فيها المجالس المحلية وعدة منظمات مدنية، إضافة إلى المجتمع المحلي، بعد سنوات من التحطيب الجائر قضى على معظم أشجار المنطقة، حيث يشكل الحطب المادة الرئيسية للتدفئة.
وبدأت الحملة مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث استغل أطفال المدارس الهدوء النسبي بفضل اتفاق خفض التصعيد كي يقوموا بزراعة باحات مدارسهم في بلدة الدار الكبيرة بأشجار "الزنزلخت"، وهي شجرة تشتهر بسرعة نموها وشكلها الذي يشبه المظلة ومنتشرة بكثرة في شوارع مدينة حمص.
وقال كتيبة العلي، أحد النازحين من مدينة حمص إلى ريفها الشمالي، إنّ "زراعة هذه الأشجار تذكرنا بمدينة حمص، إذ كانت الشوارع وباحات المدارس مليئة بها، وهنا قد قطع معظمها نتيجة حاجة الناس إليها لقلة الوقود وغلاء أسعاره وعدم وجود من يعتني بها ويحميها، وبعضها قطع جراء القصف"، وتابع "اليوم نعيد مع الأطفال زراعتها لنبعث الأمل من جديد، لقد أوصانا النبى بزراعة الأشجار، ونحن نقوم بذلك لأنها صدقة وواجب ومسؤولية".
من جانبه قال الطالب، محمد الحمصي، من بلدة الدار الكبيرة: "لقد كانت باحة المدرسة سابقاً مليئة بشجر الزنزلخت وشجر الكينا، كان الطلاب في الماضي يقضون الاستراحة تحت الأشجار، ونحن لم نجرب ذلك بسبب الحرب، واليوم تبدو الباحة صحراء قاحلة بنية اللون، فأردنا أن نعيد لها جمالها السابق باللون الأخضر الذي يعطي الأمل".
أما الناشط وسيم الأحمد، فقد قال: "ليس من المهم نوع الغرسة أو الشجرة، المهم أن نزرع ولا نقطع، كل طالب قام بجلب الغرسة من النوع الذي يحب، منهم من جلب الزيتون ومنهم من جلب الزنزلخت"، مضيفاً: "الريف الشمالي مليء بأنواع كثيرة من الشجر لكن الكينا والزنزلخت أسرعهما نمواً، والناس تهتم كثيراً بزراعة الأشجار المثمرة وأهملت الشجيرات الحراجية".
وقالت مصادر محلية لـ "العربي الجديد"، إن "الأيام الماضية شهدت حملة عامة للتشجير من مختلف الفعاليات المحلية من مجالس محلية ومنظمات مجتمع مدني، إضافة إلى مبادرات فردية"، لافتاً إلى أن "التشجير طاول الحدائق العامة وجوانب الطرقات والمدارس والأراضي المحيطة بالبلدات، حتى حدائق المنازل".
وبيّن أن "المجتمع يشعر بخطر فقدان الشجر بعد سنوات من التحطيب الجائر، حيث فقدت المنطقة معظم غطائها النباتي، ما دفع الأهالي للاهتمام بالتشجير الذي يمنحهم الإحساس باستمرار الحياة".
وقال الناشط الإعلامي في ريف حمص الشمالي، يعرب الدالي، لـ"العربي الجديد"، إن "حملة التشجير تمت بالتعاون بين المجلس المحلي ومنظمة إحسان، حيث تمت الزراعة في الأماكن العامة بمختلف المناطق، فمثلاً الرستن زرع نحو 800 شجرة، إضافة إلى أن المجالس المحلية نفذت مشاريع تشجير بدعم من المحافظة في الأماكن العامة".
وعن الدافع إلى التشجير إضافة للمنظر الجمالي، قال "تعتبر الحاجة للحطب دافعاً رئيسياً، بعد سنوات من التحطيب الجائر، إذ لم يعد هناك حطب للتدفئة، وهي المادة الرئيسية في ظل الحصار وغلاء وقود التدفئة إن وجد".
وبين أن "حملة التشجير تختار الأشجار التي يمكن أن يستفاد منها كحطب بأقرب وقت، كالنخل واللوز والزيتون، فطن الحطب يصل سعره إلى 90 ألف ليرة، أي ما يعادل سعر برميل المازوت".
وبين أن "المنظمات قامت كوادرها بزراعة الأشجار من طرف أطفال أو متطوعين، إلا أن هذا العام هناك اهتمام كبير من الأهالي بزراعة الأشجار، فتجد العائلة تقوم بزراعة الأشجار سواء في المنازل أو حدائقها".
وأوضح أن "مصدر الغراس إما من المشاتل المحلية، وهي في الغالب صغيرة لا تسد الحاجة، كما يتم جلب الغراس من مناطق النظام عبر التجار المعتمدين من قبل الأخير".
يذكر أن قوات النظام تحاصر آلاف المدنيين في مدن وبلدات وقرى ريف حمص الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة السورية المسلحة، منذ سنوات، وتقطع عنهم الوقود والكهرباء والماء، وتقصفهم بشكل متكرر.