حصل ليل أمس حادث خطير تمثل في اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية (قنا)، وبث تصريحات منسوبة إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تضمنت مواقف كاذبة من دول إقليمية وعن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورغم أن الدوحة كشفت العملية خلال أقل من ساعة، فإن غالبية وسائل الإعلام التي تبث وتصدر من الإمارات والسعودية تجاهلت النفي القطري الرسمي، وشكّكت به خلال تغطيتها ومتابعتها التصريحات، ورفضت التعامل معه، واستمرت بعض القنوات على روايتها الأولى واستضافتها "المحللين" للتعليق عليها، حتى ساعات فجر الأربعاء، كما أن الصحف أبقت على مواقعها الإلكترونية لفقرات من الخطاب المزور المنسوب لأمير قطر، ولم ترفعها حتى الآن.
وقبل كل شيء يستوجب الأمر توضيح مسألة هامة، وهي أن الكلام الذي جرى نسبه إلى أمير قطر هو خطاب كاذب من الألف إلى الياء، وقد تم تلفيق خطاب مزور في صورة كلية وجرى نسبه للأمير، وقالت الجهات التي تقف وراء هذا الافتراء إن الأمير ألقى خطابا صباح أمس خلال مراسم تخريج دفعة من المجندين، ولكن ناطقا باسم الحكومة القطرية قال لـ"رويترز" إن الأمير حضر مراسم تخريج دفعة من المجندين بالخدمة الوطنية، لكنه لم يدل بأي حديث أو تصريحات.
هذا الحادث غير المسبوق يستدعي التوقف أمامه مطولا لأنه يعد تجاوزا مهنيا وأخلاقيا خطيرا يستوجب الإدانة والاستنكار من كافة المشتغلين في الحقلين السياسي والإعلامي سواء في عالمنا العربي أو خارجه. والنقطة الأولى التي تعتبر خطاً أحمر هي نسب خطاب كاذب لأمير قطر، وتوظيفه من أجل اثارة نزاعات سياسية إقليمية ودولية، وهذا عمل يرقى إلى عدوان يستوجب موقفا صريحا من الهيئات المعنية.
والأمر الثاني هو فضح عملية اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وهي الوكالة الرسمية للدولة، واختطافه من أجل بث معلومات كاذبة، وعلى درجة كبيرة من الخطورة. وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه عن التناغم بين من قام بعملية قرصنة الموقع وبعض وسائل الإعلام التي روجت للخطاب الكاذب.
إن استخدام سلاح القرصنة في عمل من هذا القبيل هو سلوك لا يمثل اعتداء سافرا فقط على منبر إعلامي، وإنما يبيح هتك كل ما يمت لأخلاقيات المهنة، الأمر الذي يستدعي تدخل المؤسسات الدولية المعنية بحماية مهنة الصحافة من العبث وعدم توظيفها لأغراض بعض الأطراف، أو الذين يعملون على تصفية حسابات بطرق ملتوية وأساليب غير نظيفة.
إن إصرار قناتي العربية وسكاي نيوز عربية وبعض الصحف على إبقاء التصريحات المزورة على مواقعها الإلكترونية اليوم، وعدم إزالتها بعد صدور نفي قطري رسمي، يعبر عن تجاوز لقواعد وأخلاقيات مهنة الصحافة التي يجب أن تتعامل مع الرد القطري بروح إيجابية، وتعطي قطر حق توضيح موقفها، وإن التجاهل في هذه الحالة يعبر عن استهداف مع سبق الإصرار على شن حملة ضد قطر من أجل تشويه صورتها، واستغلال ذلك لأغراض أبعد من الخبر الصحافي.
إن انخراط بعض وسائل الإعلام في حملات من هذا القبيل لا يضعف فقط من مصداقيتها في نظر الرأي العام المحلي والعالمي، بل يوجه ضربة إلى الإعلام العربي ودوره ومكانته التي وصل إليها حتى الآن من أجل إرساء قواعد مهنية وأخلاقية تلتزم أولا بالدفاع عن الحقيقة.
الجديد في كل ما حصل ليلة أمس إصرار بعض وسائل الإعلام في الإمارات والسعودية على ترويج خطاب مزيف منسوب لأمير قطر. ورغم أن الرأي العام استفاق من صدمة الكذبة الكبيرة التي حاول البعض تسريبها ليلا خوفا من عيون النهار، فإن هناك من يعمل على توتير الأجواء وزج المنطقة في نزاعات هي في غنى عنها.