حملات لمدّ وﻻية السيسي ردّاً على ضغوط إنهاء ولايته

16 اغسطس 2016
تقتصر حملات التوقيع على الإعلام (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تكشف مصادر سياسية قريبة الصلة من الدائرة المخابراتية ـ الرقابية، التي شكّلها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لإدارة المشهد السياسي في البلاد، عن أن حملة التوقيعات التي بدأت على نطاق ضيّق في عدد من محافظات الصعيد والواجهة البحرية للمطالبة بمد فترة الرئاسة الأولى للسيسي من 4 إلى 6 سنوات، "ما هي إلا محاولة من دائرة السيسي لوقف الضغوط، التي يتعرض لها من دول عربية ودوائر مصرية لحثّه على عدم الترشح لولاية رئاسية ثانية تبدأ عام 2018".

وتوضح المصادر لـ"العربي الجديد" أن هناك دوائر مشاركة في الحكم نصحت السيسي بعدم الترشح لولاية رئاسية ثانية، بدعوى الحفاظ على وحدة الجيش، وعدم الزج به في الشؤون السياسية وإدارة البلاد أكثر من ذلك. كما حذّرت هذه الدوائر من زيادة تململ ضباط الجيش من الرتب المتوسطة، نتيجة استمرار سياسات السيسي القائمة على إرضاء الرتب الأعلى والأقدم بتمديد سن المعاش لها أكثر من مرة، وفقاً للمصادر.

وتضيف أنه "بناء على هذه المعطيات والمخاوف، تلقى السيسي تحذيرات من استمراره في السلطة لفترة رئاسية ثانية، خشية أن يفكر مستقبلاً في السماح لنفسه بالترشح لفترات متوالية من دون حد أدنى، أو أن يتعرض لضغوط في هذا الاتجاه". وبحسب هذه المصادر، فإن الدوائر التي أعطت للسيسي هذه النصيحة تولي وجهها أيضاً شطر بعض الإشارات التي تردها من دول عربية، بينها مؤيدة للسيسي وداعمة لنظامه اقتصادياً وسياسياً. وتتراوح هذه الإشارات بين التحذير المبطّن والحثّ الصريح على عدم الترشح لولاية ثانية، بهدف عبور مرحلة الخصومة السياسية والخلافات العميقة بين هذه الدول ودول أخرى مؤيدة وداعمة للتيارات الإسلامية المعارضة للسيسي، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين.

وفي هذا السياق، تقول المصادر إن "تحذيرات بعض الدول العربية، المؤيدة حالياً للسيسي، تدور في إطار أنها أدت ما عليها تجاهه، وأوفت بوعدها بدعمه ومساندته اقتصادياً إلى حين عبور المرحلة الحرجة المقدّرة بخمسة أعوام بعد الانقلاب على حكم جماعة الإخوان المسلمين". كما تستند التحذيرات، بحسب المصادر ذاتها، إلى أن "استمرار الوضع على ما هو عليه في ظلّ الخلاف السياسي الجذري بين السيسي والإخوان وغيرها من جماعات المعارضة (الإسلامية تحديداً) ليس مقبولاً، لأن تلك الدول ترغب في أن تكون لها صلات حيوية ومباشرة مع الجميع، ومع جميع الدول الداعمة لهم أيضاً، وألا يقف هذا الخلاف عقبة أمام أي تقارب إقليمي".

وتعبّر هذه التحذيرات وأسبابها عن نظرة مختلفة، من بعض الدول الداعمة للسيسي، له ولدوره السياسي، فهي تراه رجل مرحلة انتقالية توشك على الانتهاء، وأن الاعتماد عليه في المستقبل سيؤدي بالضرورة إلى خسائر فادحة في ملفات أخرى مصرية وإقليمية، وفقاً لهذه المصادر. وتؤكد أن "تلقّي السيسي هذه التحذيرات والمطالبات، بشكل غير مباشر، واقتناع بعض دوائر السلطة الحاكمة بها، هو ما يدفعه لاتخاذ بعض القرارات والإجراءات، التي تتطلب بالضرورة استمراره في الحكم لولاية ثانية على الأقل. ويضاف إلى ذلك حرصه المتصاعد على القيام بدور إقليمي جديد بالتنسيق مع إسرائيل والتقرب منها لاستمالة الولايات المتحدة، التي لا تزال تشكل رقماً صعباً في علاقاته الخارجية نظراً للملاحظات العديدة من الإدارة الديمقراطية على سياساته في ملفَي حقوق الإنسان والأمن".






وتلفت المصادر إلى أن "تحركات حملة التوقيعات المطالبة بمدّ ولاية السيسي الأولى شبيهة بحملة (تمرّد) التي أدارها جهازا المخابرات والمخابرات العسكرية بدعم مالي وإعلامي إماراتي"، مرجحة أن يكون تأثير الحملة "مقتصراً على الإعلام، وألاّ يتطور لمرحلة تقديم مقترحات برلمانية جادة لإدخال تعديل دستوري على مدة الولاية الرئاسية اﻷولى قبل انقضائها، تماماً كما كانت حركة "تمرّد" مقتصرة على الإعلام ولم تتطور إلى أي تحرك قانوني حقيقي".

وتشدد هذه المصادر على أن هذه التحركات "تهدف أساساً إلى إظهار ارتفاع شعبية السيسي في المجتمع، بعيداً عن الأطر الرسمية من برلمان وإعلام، وذلك كرسالة مبطّنة للدول المطالبة بعدم ترشح السيسي مرة أخرى، رداً على الإشارات الواردة له. ويضاف إلى ذلك نشر شعور عام بين دوائر السلطة وأجهزة الدولة بأن السيسي لن يغادر منصبه بحلول 2018 سواء برغبته أو برغبة الشعب، وأنه من الأفضل للجميع الانخراط في المشاريع متوسطة وطويلة الأمد، التي بدأها خلال الأشهر الماضية وتنفذها القوات المسلحة، والبرامج المالية التي ترتب استحقاقات مستقبلية خطيرة على الاقتصاد الوطني كالاقتراض من صندوق النقد الدولي والقرض الروسي لإنشاء محطة الضبعة النووية".

وحاول السيسي، الذي ماطل في إعلان ترشحه للرئاسة لنحو عام ونصف العام سابقاً، في أول عام من حكمه، إبداء التمنع عن التجديد لفترة ثانية، فلطالما قال "لو بس كملت الفترة الأولى، احنا بس نكمل الفترة دي"، إلا أنه في الآونة الأخيرة توقف عن هذا الأمر. ويتزامن امتناعه عن هذه التصريحات مع تحول حديثه من الشكوى وتضخيم الأزمات إلى الافتخار بما قدمه خلال نصف فترته الأولى وتضخيم النجاحات والإنجازات حتى وإنْ كانت ضئيلة، وفقاً لمراقبين.

وخلال حواره مع الإعلامي، أسامة كمال، بدا واضحاً الحديث المسبق على بقاء السيسي لنهاية فترته الرئاسية الثانية على الأقل، من دون مواربة، إذ سأله المذيع عن موقفه من بعض المشاريع التي تم التعاقد عليها وسيبدأ تنفيذها على الأقل بعد 8 سنوات من الآن، خصوصاً أنه سيكون قد استنفد فترتيه الرئاسيتين (8 سنوات) فأجابه السيسي: "احنا بنشتغل علشان الأجيال اللي بعدنا تحصد ثمار عملنا"، ولم يعد إلى حديثه القديم عن "احتمالية عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية".

وفي يونيو/ حزيران الماضي، قال مصدر حكومي رفيع المستوى في وزارة سيادية، لـ"العربي الجديد"، إنه "سيكون هناك استفتاء على مد فترة رئاسية ثانية للسيسي، من خلال منع ترشيح أي منافس له، وليس انتخابات بالمعنى التعددي". وأكد أن "مصر ليست في حالة تسمح لها بالعودة إلى التنافس السياسي حتى في الحالة الأدنى للتنافس في انتخابات 2014، التي فاز فيها السيسي على حمدين صباحي باكتساح لدرجة حصول الأخير على عدد أصوات أقل من الأصوات الباطلة". وأضاف المصدر أن "الانتخابات ستكلف البلاد مزيداً من الأموال والجهود، ولم تعد هناك جهات دولية تقبل التكفل بكل هذه المصاريف كما حدث عامَي 2011 و2012، لذلك فالوضع يسير نحو إجراء استفتاء على استمرار السيسي".